يتساقط المطر، بقوة، ويكشف تساقطه عن عيوب حادة في ادارة شؤون البلد، اذ بتنا امام ادارة غير مؤهلة للازمات، وهي ازمات محتملة كل وقت وحين.
ربما يكون سقوط المطر قويا جدا، والبنى التحتية قديمة وغير مؤهلة لهكذا ظرف، لكنك تسأل ايضا، لماذا تركنا هذه البنى لتخرب وتصل الى هذه الحالة، ولماذا ايضا لم نستعد لهكذا حالة برغم ان الاصل معرفة حالة الجو،
والاستعداد لها بطرق كثيرة.
لم تغرق عمان، بل غرقت الادارة الحكومية بكل مؤسساتها، لان مارأيناه كشف عيوباً كثيرة اقلها، ضعف توقع النشرات الجوية، ثم سوء تصميم العمارات التي يحوي اغلبها كراجات ارضية، وطوابق مفتوحة للمطر، فوق ان الجهات الرسمية برغم مرور تجارب خلال الاعوام السابقة، لم تقم بأجراء اي تعديلات هندسية على الشوارع والانفاق وغير ذلك!.
غير ان غضب الناس ينحصر اليوم بحملات ضد هذا او ذاك، وماهو اهم من هذا الغضب، البحث عن حل جذري لضعف المؤسسات، وعدم قدرتها على مواجهة اي ازمة، فما بالنا لاسمح الله لو وقعت حرب او زلزال او حل علينا منخفض من هذا القبيل استمر ليوم او يومين، وهذا هو السؤال الواجب طرحه؟!
ثقافة التبرير لدى المؤسسات الرسمية مازالت عقيدة، فالبعض يخرج ويقول ان المطر كان قويا، وان الناس خرجت الى الشوارع، او سكنت في طوابق ارضية، او دخلت انفاق غارقة في المياه، وهذه تبريرات تنهمر معها قصص اخرى من بينها قلة المال في المؤسسات لاعادة تأهيل الانفاق او الشوارع او البنى التحتية وغير ذلك.
تكاد ان تسألهم اين ذهبت اموال المنحة الخليجية واين تذهب الموازنات والضرائب، واين الادارة والتخطيط والكوادر وكل هذه الامكانات المتوفرة؟!
تتقاسمنا ذات الطريقة، اما تبرير ساذج واما مطالبات بإقالة مسؤولين، ولا احد بينهما يخرج ليقول صراحة ان عمان باتت هرمة، وبحاجة الى اعادة نظر بكل اوضاعها، مثلما باتت مؤسساتنا الرسمية ايضا تعاني من الهرم والضعف والعجز، وعدم القدرة على مواجهة اي ازمة، بل انها اضعف من مواجهة ربع ازمة.
هي ذات الطريقة التي نراها كل مرة، كما في منخفضات الثلج التي مرت، حوادث العنف الجامعي، انفجار الجمارك، حوادث التسمم، واي قصص اخرى، فالكل يرمي المسؤولية على الكل، والكل يريد تصفية الحسابات عبر هذه الازمات، لكن لا احد يخرج ليعتذر للناس علنا من جهة، على الاقل، ويعترف ان هناك سوء ادارة، وان البلد كلها تقع تحت ازمة مستدامة، تتفجر مرات، وتهدأ مرات، ولو بحثنا هذه المرة عن اكباش فداء لوجدنا كثيرين، لكن مالذي سيتغير فعليا، بعد التضحية بهم؟! لاشيء على الاغلب!.
وسط ذلك، تغيب المسؤولية السياسية، والكل يعتبر المسؤولية الفنية طوق نجاة، ويتم البحث كل مرة عن مسؤول فني للتضحية به، لكنك تقول لهم جميعا، ان هناك مسؤولية سياسية على عاتق من هم يديرون السياسات، وليس على عاتق الفنيين وحسب.
هي قصة البلد الذي تغيركليا، ويتم تركه ليهرم ويهرم يوما بعد آخر، ويتم تعويضنا صباحا بأغاني تلهب الوجدان، وتثير الحمية في طرقات غارقة ومحفرة.
الدستور