لماذا تجرأوا على " استفزازنا" .. ؟!
حسين الرواشدة
08-11-2015 02:03 AM
بدل ان يتحلى المسؤول بالشجاعة والاستقامة ويتعامل مع الناس بمنطق الوضوح ووالاستقامة واحترام المسؤولية(الاخلاقية على الاقل) ، يفاجئنا بعض المسؤولين الذين يفترض ان يكونوا في خدمة الناس بتصريحات “استفزازية” تعكس نمطا غابرا لعقلية الاستعلاء واللامبالاة وغياب الاحساس بالمسؤولية ايضا.
بحكم تجربة متواضعة في مهنة الصحافة ، لم يخطر في بالي ابدا ان اقع في “فخ” الاستفزاز من تصريحات مسؤول – اي مسؤول - ، فانا على استعداد ان اقبل دائما (واتفهم احيانا) كل انماط التصريحات الرسمية ، حتى وان كانت “مفخخة” بالديناميت السياسي، لكن ما سمعته مؤخرا من تصريحات لمسؤولين في الشأن العام (وزيرة التنمية الاجتماعية وامين العاصمة تحديدا) حول “غزوة” المطر التي اغرقت العاصمة في نصف ساعة اصابني بالاستفزاز ، قلت : كيف يمكن لمسؤول ان يتجرأ على اهانة المجتمع بهذه “الخفّة” ، وان يحمّل الناس مسؤولية اخطائه وتقصيره ، وان يتذاكى على وسائل الاعلام وكأن الجمهور الذي يخاطبه لا يتمتع بادنى درجات الفهم والوعي والادراك..؟
لا اريد ان اكتب عن صورتنا يوم الخميس الماضي، هذه التي رأيناها في مرآة “زخات “ مطر عابرة ، حيث تحولت شوارعنا الى بحيرات ومستنقعات ، وعامت السيارات في بحر متلاطم الامواج، وخرجت المياه من المناهل والشبابيك على شكل فيضانات ، وسقط اربع ضحايا ابرياء ، اريد فقط ان اسأل الحكومة وامين العاصمة : لماذا حدث ذلك؟ هل صحيح ان قوة المطر كانت اكبر من قدرة مناهلنا على استيعابه ، وهل صحيح ان المشهد – كما قيل – سيتكرر في المستقبل بما يعني انه ليس في الامكان افضل مما كان ، ام ان الحقيقة غير ذلك تماما ، وان رداءة الاستعدادات بكل ما تحمله من تقصير واهمال وسوء تخطيط وادارة هو مربط الفرس في كل ما حصل..؟
سأتجاوز ذلك كله،” لانني اعرف تماما ان لا جدوى من الاسئلة، وان الاجابات التي سمعناها صدمتنا واستفزتنا وان الاخرى التي يمكن ان ننتظرها لن تكون افضل مما سمعناه، كما ان اصلاح البنية التحتية لمدننا كلها( دعك الان من البنية الفوقية) يحتاج الى حديث اخر، ليس هذا مكانه.
ما يهمني هنا هو الاشارة الى مسألتين : الاولى اعوجاج منطق المسؤولين في بلادنا ، ذلك اننا كنا نتوقع - كما قلت سلفا- ان يبادر المسؤول حين تتعالى اصوات الناس بالاشارة الى تقصيره الى تقديم استقالته ، ليس لان القانون يفرض عليه ذلك ، وانما انتصارا للمسؤولية الادبية والاخلاقية التي يستند اليها في عمله وعلاقته مع المجتمع ، وبالتالي حين يسحب اغلبية الناس ثقتهم بالمسؤول ويشهرون ذلك علنا فليس امامه الا الاستجابة لاصواتهم ، وبعكس ذلك فانه يتعمد الاساءة لهم ولا يقيم وزنا لمنطق الخدمة العامة التي تستوجب مقايضة الرضى بالانجاز، ولاننا للاسف لم نألف مثل غيرنا من الشعوب احترام المسؤول لارادة الناس ، لا عند التعيين ولا عند الاقالة ، فقد كنا نتوقع ان يتعلم المسؤولون في بلادنا درس احترام مشاعر الناس ( دعك من احترام ارادتهم) ، ليس فقط لارضاء الخواطر او امتصاص الغضب الناجم عن التقصير وانما من اجل الحفاظ على قيمة المسؤولية العامة واخلاقياتها وعلى ثقة الناس بمؤسساتهم وبدولتهم ايضا.
تبقى المسألة الاخرى وهي ظاهرة استجدت على مجتمعنا تتعلق بجرأة بعض المسؤولين على استفزاز الناس وعلى استعباطهم واستهبالهم ايضا ، ومن باب الانصاف فان لنا تجربة سياسية وادارية طويلة عكست نماذج لمسؤولين احسنوا خطاب الناس وتعاملوا مع الرأي العام بمنتهى الاحترام والتواضع والتزموا في اقوالهم وافعالهم بالاستقامة والنظافة وشجاعة الاعتراف بالخطأ، لكن ما شهدناه مؤخرا جاء في عكس هذا الاتجاه تماما، واخشى ما اخشاه ان نكون بصدد عملية انقلابية على هذه النماذج المعتبرة التي ما تزال محفوظة ومقدرة في ذاكرتنا، واننا امام “مدرسة” جديدة تريد ان تؤسس لحالة من التمرد على قيم احترام ارادة المجتمع ومشاعره ، وان ما سمعناه هو جزء من صناعة نماذج الاساتذة في هذه المدرسة، وهؤلاء المسؤولون الاساتذة للاسف نزلوا “بالبرشوت” على مواقعهم ، وامنوا المساءلة والمحاسبة ، وبالتالي فلا عجب ان تصرفوا بمنطق” اصحاب” المزرعة وملّاكها لا بمنطق حراسها او العاملين على خدمتها.
سأترك للقارىء العزيز مهمة اكمال الاجابة على سؤال : لماذا يتجرأ بعض المسؤولين على استفزاز المجتمع واهانته ، وعلى الهروب من تحمل اخطائهم ووزر تقصيرهم الى ادانته والسخرية منه ، لكن بقي لدي كلمة واحدة وهي اننا كمجتمع نتحمل جزءا من هذه النتيجة ، وربما نستحقها ايضا، لا تسألني لماذا ..؟ يكفي ان اقول ان البعض ربما فهم صمت المجتمع وصبره على انه ضعف وقلة حيلة ،وبالتالي استمرأوا الاستهتار بارادته ومشاعره والاستعلاء عليه.
الدستور