الأهداف الخفية للتدخل الروسي في سوريا
اسعد العزوني
07-11-2015 12:18 PM
ليس خافيا على أحد، أن الهدف الرئيسي المعلن للتدخل العسكري الروسي في سوريا، كان تحقيقا للحلم القيصري التي نادت به الملكة كاترين الثانية قبل ثلاثة قرون عندما قالت أن الأمن القومي الروسي يبدأ من دمشق، وتحقق على أرض الواقع قبل ثلاثين عاما، عندما وافق الرئيس السوري العلوي الراحل حافظ "الأسد" على إقامة قاعدة بحرية روسية في طرطوس بمحافظة اللاذقية على شاطئ البحر المتوسط.
وعليه وللوهلة الأولى، فإن الرئيس الروسي بوتين كان على استعداد للمغامرة حد المقامرة من أجل الاحتفاظ بهذه القاعدة، ولو أن روسيا خسرت سوريا كما خسرت العراق وليبيا ومصر، فلن تقوم لها قائمة قبل مائة عام، ولذلك أكد العام الماضي أنه لو انتقل القتال من بيت إلى بيت في موسكو، فإنه لن يتخلى عن سوريا، ولم يقل أنه لن يتخلى عن الأسد.
وفي ثنايا البحث عن التفاصيل، نجد أن التدخل الروسي لم يكن من جانب واحد، بمعنى أن الرئيس بوتين نام وإستيقظ نشيطا ليزحف إلى سوريا، بل إتصل كثيرا ونسق كثيرا وتشاور كثيرا مع كافة الأطراف المعنية بسوريا بدءا من الولايات المتحدة حتى العربية السعودية، مروا بمستدمرة إسرائيل التي لم تخسر شيئا بل كسبت كالعادة لأنها تعرف كيف تبتز الآخرين، فكما هو معروف فإن مثل هذه العملية ليست نزهة تكفيها سندويتشة فلافل وقنينة بيبسي، ولذلك حصل الرئيس بوتين على الدعم السياسي من واشنطن، فيما توفر له الدعم المادي من دول عربية لها مصلحة في التدخل الروسي، لمصلحة في نفس يعقوب قضاها، وهذا يعني أن التدخل الروسي العسكري في سوريا جاء ليحقق لجميع الأطراف مصالحهم.
وبمتابعة مجريات الأمور في سوريا، والتقلبات حد المفاجآت للبعض، نجد أن هناك أهدافا خفية أخرى إلى حين بطبيعة الحال، وأولها إقصاء إيران وحزب الله عن سوريا، وإبعادهما عن الحدود السورية –الفلسطينية، تنفيذا لرغبة مستدمرة إسرائيل التي تفكر إحتماليا، بأن إيران وحزب الله سيشعلان جبهة الجولان ضدها.
أما الهدف الخفي الثاني فهو في نفس السياق، لكنه يتركز على إيران وتهميش دورها السياسي في سوريا من خلال تفرد روسيا في الساحة السورية، من منطلق أنها مثل طائر الفريك لا تحب الشريك، وهذا يرضي مستدمرة إسرائيل وبعض الممولين العرب.
لم تعد الأمور مخفية ويصعب التكهن بمآلاتها، فالصراع الروسي-الإيراني على أشده هذه الأيام، وقد أكد مسؤولون كبار في إيران أن روسيا لا يهمها سوى مصالحها، وهذا هو المفتاح، لأن روسيا جاءت لتحقيق مصالحها وبالتوافق مع الأطراف المعنية، ويجب ان يعلم الإيرانيون أنهم لن يكسبوا في أي صراع عالمي كونهم يدينون بالإسلام، بمعنى أن العرب والمسلمين هم الأيتام على موائد اللئام.
قد يقول قائل أن باستطاعة أمريكا لجم إيران في سوريا، وحتى في الخليج، لأن الساحتين تندرجان ضمن الملعب الأمريكي، وهذا صحيح لكن أمريكا لم تفعل، لأن اللعبة أكبر مما يظن البعض، فمثلما جاءت أمريكا وإسرائيل وبريطانيا بداعش لحسم الأمور في منطقة الهلال الخصيب ومصر وليبيا، فإنها تحضر خراسان للعبث في إيران، ناهيك عن أن اللعبة تتطلب من امريكا الظهور بمظهر المداري لإيران التي وقعت معهم مؤخرا الاتفاق النووي، بمعنى أنه لا يجوز أن يوقع أوباما الاتفاق النووي مع إيران ويدافع عنه أمام الكونغرس ويقنع مستدمرة إسرائيل بمزاياه، وأنه ادخل إيران بيت الطاعة الأمريكي، وبعد ذلك يواجهها عسكريا في سوريا.
لذلك إستعان بروسيا التي يحكمها رجل واحد يصنع القرار السياسي وليس محكوما له مثل الرئيس أوباما، وإتفق معه على التفاصيل، خاصة وأن أمريكا تعد العدة للرحيل عن الشرق الوسط، لأنها تريد الهيمنة على منطقة الهند الصينية لمواجهة الصين وماليزيا والهند وروسيا.
المفتاح الأكبر هو طريقة استدعاء الرئيس بشار الأسد وما أملي عليه فيها، حيث أبلغ الرئيس بوتين شركاءه بالنتائج لطمأنتهم بأنه الشريك الذي يعتمد عليه، ولذلك فإن قيامه بإقصاء إيران من سوريا يعد إنجازا له، ومكسبا للآخرين، فهو المقاول الذي أنجز ما كلف به.
لكن السؤال الملح هو: هل يعقل أن يسمح الشركاء لروسيا بتحقيق هذا المكسب؟ الجواب كلا بطبيعة الحال، فالثارات في السياسة مسموح بإنتهاجها، وربما أريد لروسيا أن تتورط في سوريا مع داعش ومع إيران وحزب الله والعصابات المسلحة ذات العصائب، خاصة وأن الإخوان المسلمين أعلنوا الجهاد ودعوا له ضد روسيا في سوريا، وهذا سيؤدي إلى وضع حد لطموحات القيصري بامتياز بوتين .
وهناك قضية أخرى، وهي أن هناك شكوكا بنجاح المشروع الروسي في سوريا، والذي يتوقع له أربع سنوات حتى يتبين الخيط الأسود فيه من الخيط الأبيض، كما ان التنسيق الروسي- الأمريكي أخرج أوروبا من اللعبة في سوريا وهذه خسارة لا تعوض.