لا يحتاج المواطن الى كبير عناء كي يكتشف حجم الضعف في البنية التحتية للعاصمة عمان، وان كان ثمة ملمح ايجابي للعاصفة المطرية بكشفها ان واقع العاصمة ليس احسن حالا من حال باقي المحافظات، الا ان عمان نجحت في وضع مساحيق التجميل على بُنيتها وبنائها اكثر من باقي المحافظات، ومع اول شتوة أزال الماء المساحيق وظهر الوجه الحقيقي للعاصمة وللبنية التحتية، كذلك اظهرت العاصفة المطرية ايجابية حقيقية بأن المحافظات وإن كالت الكثير من النقد للعاصمة بصفتها الاكثر استفادة من الدخل القومي الا انها المحبوبة الاغلى، فهي عنوان الدولة المكاني ودرة المحافظات وواسطة عقدها.
الاختلالات والنُدب التي ظهرت بعد العاصفة يمكن معالجتها بقليل من المساحيق السوداء على الشوارع وتنظيف الاتربة من الاحياء والمنازل وضرورة تعويض المواطنين على خسائرهم، لكن التجريف الاعمق الذي يحتاج الى وقت اطول للمعالجة هو التجريف السياسي والاخلاقي والاجتماعي الذي اصاب بنيتنا الوطنية والخدمية، فقد هرب المسؤولون من المواجهة والواجهة التي كانت لهم على الدوام - الواجهة - فهم يتصدرون المجالس في الفراح والاتراح وأفاضوا علينا بكرمهم في التصريحات عن حجم الاستعداد والجاهزية ولطيبتنا صدّقنا اقوالهم واكسسواراتهم على ظهور الباصات المفتوحة وفي شوارع قاع المدينة.
اختلال البنية التحتية ليس الازمة وحدها، فثمة هروب من المسؤولية فجّ وحتى عندما أكرمونا بالحديث كانوا في ابراجهم وحمّلونا مسؤولية الخلل حتى كدنا ان نستقيل خجلا من افعالنا القبيحة على عملهم الوطني الدؤوب وجهدهم الخارق في البناء والاعمار، وكل الضحايا والصور المريعة التي امتلأت بها الفضاءات الرسمية والاعلامية والتواصلية محض هراء، فالسادة الاوفياء ما قصرّوا، ونحن مقصرون ولم تشفع لنا شهادة المسؤول السياسي الوحيد الذي نزل الى الميدان بأن تنظيف المناهل كعنوان بسيط للجاهزية لم يكن بالصورة المطلوبة واعني وزير الداخلية سلامة حماد بوصفه الوزير الذي كان متواجدا وموجودا فيما غاب وزراء الخدمات جميعا.
التجريف في البنية السياسية اكثر خطورة من التجريف في البنية التحتية، فالجرأة على الحقيقة التي مارسها سدنة امانة عمان في تحميلنا كمواطنين المسؤولية تكشف حجم العليائية وحجم انخفاض قيمة ورأي المواطن وقدرته على التأثير والتغيير، وهنا بيت القصيد، فالجرأة على الحقيقة سببها انعدام مفهوم المحاسبة والمساءلة واحساس المسؤول بانه فوق المساءلة وربما فوق الناس وانه شرّفهم بالخدمة وليس مكلفا بها ومفهوم دافعي الضرائب مفهوم مقلوب، فهم يدفعون لكي يزداد البرج الخدمي اناقة ورفاه لا اكثر وعليهم تقبيل اياديهم على الجهتين لوجودهم في المنصب اصلا، وتلك بداية التجريف وبداية الغُربة بينهم وبيننا.
يمكن قبول كل التبريرات وتفهمّها لو ان المواطن رأى بعينيه مسؤولا واحدا تحت المطر يقود العمل ويطلب الفزعة والعونة من الناس لكنه كان وحده يتشفشف من البرد والمطر فيما جلس الخدميون خلف الشبابيك ينظرون وتطغى رائحة سيجارهم على المشهد الدافئ في مكاتبهم.
التجريف الذي طال مفهوم الخدمة العامة وانعكس على سلوك المواطن الذي اسهم بدوره في تكريس التجريف يحتاج الى مواجهة حاسمة بعد ان استأنس المسؤول غياب المحاسبة وتحمّل النتائج؛ لأن القاعدة تقول ( من أمِن العقوبة أساء التصرف )، ونحن نطالب بالعمل بالنص القرآني الذي يقول: ( قِفوهم فإنهم مسؤولون )، فالمحاسبة للمسؤول هي اولى درجات بسط هيبة الدولة واعادة المهابة للوظيفة العامة وتغيير سلوك المواطن سياتي بعد محاسبة المسؤول عن هذا الهدر لأرواح الناس واموالهم.
الدستور