صوت المهمشين على اسوارها .. !!
حسين الرواشدة
06-11-2015 03:58 AM
نكتب عن الثقافة من هوامش (الميري) ، فنحن - أعني الذين لا ينتسبون الى “اليسارالفكري “، مبعدون، بقرار من الروابط والهياكل المعتمدة عن الانتساب اليها، او الاقتراب من ابراجها “العالية”.
ومع ذلك نقول: لا يكفي ان تكون مثقفا حتى تحتفي بك المنابر الثقافية، او حتى يتصدر اسمك في وسائل الاعلام وقوائم الجوائز والمكافآت و”اقطاعيات” مجالس التحرير في المجلات الممهورة باسم الثقافة.. ،لكي تصل الى ذلك لا بد ان تبحث عن مواهب جديدة، “السياسة الثقافية” مثلا، الشطارة ايضا، الشكوى الدائمة من الاضطهاد والمظلومية، والاقتراب اكثر واكثر من اصحاب المنتجعات الثقافية، ومتعهدي ورشاتها والمحظوظين الذين ترسوا عليهم - باستمرار - عطاءاتها الوافرة.
ان تكون مثقفا ، يعني انك لن تجد من يشتري مقالاتك او كتبك، فتضطر لبيع اثاثك وربما ملابسك لكي تعيش.. او انك ستتمنى لو ساقتك الاقدار الى مهنة اخرى.. تكفيك كفاف يومك.. وقبلها تكفيك من ان تعرض نفسك للبيع كل يوم.. مرّة او عشر مرات.
ليس للمثقف الا خيار من اثنين: اما ان يبحث عن حظوظه فتتحول “الحروف” بين يديه الى ذهب، واما ان ينحاز الى ضميره وقيمه فيظل على الهامش.. وقليلا ما تجد من اهتدى الى صراط الثقافة فانتهى به الى حيث “مكانه” ومكانته دون ان يمارس الخيانة او دون ان يعتذر عن استقالته من وظيفته الاولى ولو بحكمة متأخرة.
الى اين انتهى المثقف في بلادنا العربية..؟ سؤال يظل يلحّ عليّ كلما قرأت خبرا عن مهرجان، او طالعت مجلة ثقافية تتصدرها قوائم الرؤساء والمحررين والمستشارين.. او سمعت في صالونات النميمة الثقافية عن صفقات الترويج التي تبرم بين الاصدقاء المثقفين، على شكل مقالات او حوارات او ملفات، وما اكثرها لمن يتابع ما تنشره مجلاتنا وملاحقنا الثقافية، لأسماء تظهر فجأة كالنيازك ثم تخبو دون ان يذكرها احد .
ومن اسف ان بعض اجيالنا “المثقفة” لا تعرف آباءها، بل ولا تعترف بهم ايضا، وما من سبب لهذا العقوق الا انتفاء الثقافة وانتشار عدواها ووهم الاصابة بها.. فما من مثقف اصيل الا وينتمي الى جذوره، ويعتز بابائه وجدوده، لكن “العلب” الجاهزة والمصدرة على شكل قامات ثقافية، لا تبحث في فراغها الا عما يمكن ان تلتقطه شباكها من صيد سانح، او مديح باذخ، او جائزة ترسو في الغالب على شطآن الابداع المنفلت، المنكر لمقدسات
المجتمع والمتذرع باسم “ الحداثة وما بعد الحداثة” لتشويه كل قيمة جميلة، وكل نموذج تعتز به امته .
هذه ليست مناسبة لنعي الثقافة، او اعلان الحداد عليها، فالثقافة في بلادنا ما تزال بخير، وانما صرخة لاعادة المتسلقين على حبالها الى مقاعدهم الحقيقية، وانصاف المهمشين على اسوارها، والآنفين من البحث عن مواهب “الشطارة” في اسواقها، فلعلنا بعودة حراسها، نكون اقدر على صيانتها من هذا العبث.. ولعلنا بالاعتذار الى المطرودين من منابرها والمحاضرين في افقها الممدود.. نرد لها ولهم بعض الدين الذي ما زال في اعناقنا.. وبعض الحضور الذي تستحقه امتنا قبل ان تفسد علينا هذه المسوخ كل ما نحتاجه في هذه الحياة من امل وكرامة.
الدستور