ما ان يجري الحديث عن الاصلاح في الاردن حتى يتبادر للذهن الاحزاب الاردنية ومحنتها التي لا تنتهي، فقد تجمدت غالبيتها واضحت كأنها موجودات متحف من المتاحف الشعبية او التراثية. زعاماتها ثابتة لم تتغير منذ عقود وخطابها لا تجديد فيه والامناء العامون منشغلون في جدل حول من سيخلف ممثلهم الاسمي في الحكومة فقد اعتادت الحكومات منذ سنوات ان توزر احد الامناء العامين اضافة الى تحسين ظروف انتخاب اخر وضمان دخوله الى مجلس النواب ولو بعد اسابيع من انعقاد دورته الاولى كما انها تحرص على ان يكون بين الاعيان اثنان او ثلاثة ممن لم يفقدوا رنة صوتهم الخطابية حتى وان لم يكن الموضوع مناسبا لانفعالاتهم المصطنعة وهز اياديهم المبرمج على الطريقة الرفاقية.

في اعقاب توقيع الميثاق الوطني وفي محاولة لتنفيذ عطاء استيعاب الاحزاب والتخفيف من نبرة خطابها الثوري قرر العشرات من ابناء الذوات والبيروقراطيين الاردنيين وبعض ابناء الحزبيين والسياسيين والتجار وشركاء المتنفذين وبعض من توافرت لهم منابر اعلامية ان يؤسسوا احزابا جديدة او ينشقوا عن احزاب اخرى بعد ان استلوا نسخا من مبادئ الحزب الام واضافوا كلمة هنا وشطبوا كلمة هناك ليصبح عدد احزابنا المرخصة اليوم ثلاثين ونيفاً يصعب التفريق بين غايات الكثير منها.

من بين العاملين في قيادات الاحزاب تبرز شخصية طلال صيتان الماضي الامين العام للجبهة الوطنية الموحدة كشخصية يصعب على المراقب ان لا يتوقف طويلاً عندها وذلك لسببين يتعلق الاول بالخلفية الاجتماعية الثقافية الاسرية لصاحبها والثاني لنوعية الخطاب والمنطق الذي يستخدمه الرجل في طرحه ونقاشه وتناوله للقضايا...

الرجل بدوي يعتز ببداوته وهو ليس شخصاً ثائراً بل هو شيخ يتمتع بمكانة وامتيازات ترشحه لان يكون محافظا متشددا فلديه ارث وتقاليد يصعب على امثاله ان يتبنوا خطابا يقوض هذه المكانة او يتعارض معها... في اكثر من مناسبة التقيت الرجل واستمعت له وهو يصف الواقع وكأنه عالم انثربولوجيا يعرف المجتمع وتركيبته وعقليته وعلله ومواطن القوة ويمتلك وصفة جميلة للنهوض لا تحمل في طياتها تهديداً او انحيازاً او تعالياً او اقصاء.

منذ اسبوعين او اكثر ظهر طلال الماضي على تلفزيون رؤيا للحديث عن الاقصى والانتفاضة والدور الاردني فقال من ضمن ما قال ان على الاردن ان لا يختزل مواقفه مما يدور في فلسطين في بضعة جمل يقولها مسؤول حكومي فمن الضروري ان تصل صورة التعبير الشعبي للجميع فهي تكسب الاردن قوة في مواقفها وتعكس صورة ايجابية عن حيوية المجتمع.

الموقف الذي اتخذه طلال الماضي وزملاؤه في الحزب وبعض الاحزاب من قانون الانتخاب موقف متقدم على المواقف التي اتخذتها الكثير من الاحزاب التقدمية التي تهلل لكل من يقدم لها خدمة او منفعة شخصية او تنظيمية.. فوجود الرجل في امانة الحزب واصراره على الانحياز لقيم المساواة والحق والعدل والحرية وظهوره الدائم في لباسه العربي التقليدي يجعلك تمعن النظر وتفكر بعمق في مدى صحة ودقة الصور النمطية التي نحملها عن الاشخاص والجماعات في التعبير عن واقعهم..

في بلادنا العشرات من القيادات التنويرية الحرة التي لا ترى تعارضا بين حرية الفكر الساعي الى تنظيم المجتمع تنظيما يتماشى مع الفطرة ويسعى الى رفاه وسعادة الانسان والتقاليد التي تحافظ على فضائل وقيم واخلاق تصون البناء وتدفع عنه الاخطار والتهديدات.