يُقال في السراب ما يُرى من بعيد في واضحة النهار ,وهو ما لا حقيقة له ويقال لمن يجري وراء الوهم والمظهر المخادع.
منا من يعتقد ان كل ما يلمع ذهباً,وأن كل ما نسمعه عن شخص يكون يقيناً,وكل من إبتسم نعتقد انه سعيداً,وأن كل سراب حقيقة,ولكننا وبعد مرور زمن بغض النظر عن طوله أو قصره نكتشف أن ليس كل ما يلمع ذهباً,وليس كل ما نسمعه عن شخص يقينا,وليس كل من أبتسم سعيداً,ونكتشف أن السراب ليس حقيقة.
ولأننا نعيش في زمن إختلت فيه المعايير والقيم,وتغيرت المبادئ ,وتبدلت الأنفس,أصبحنا نعتاد على أن نحكم على البشر بظواهر الامور وبما يدور على ألسنتهم في السر والعلن,ونسمع كثيرا من الأقوال,قد لا تكون الحقيقة ,بل سراب يخدع الكثيرين,فنجد أنفسنا نمدح هذا ونذم ذاك لنكتشف بعد ذلك أن من نمدحه لا يستحق المديح ,وان من نذمه لا يستحق الذم,كل هذا بسبب وقوع البعض منا في براثن المخادعين ,والاندفاع دون تدبر أو تعقل نحو أصحاب المظاهر البراقة والتي تخفي في ثناياها عكس ما تُظْهر للآخرين,ونعيش سراباً لنصحو بعده على حقيقة مريرة,لذا علينا أن لا نندفع بعواطفنا وإنسانيتنا الطيبه لنمدح ونُطْري في من لا يستحق المديح الا بعد التيقن تماما من الحقيقة خوفاً من الوقوع في السراب, ونتذكر قول الشاعر عندما قال:
خُذْ ما عَلِمتَ ودَعْ شيئاً سمعتَ به في طلعة الشمس ما يُغْنيكَ عن
ولنكن حريصون أن لا نقع في خداع من يمتطون الانسانية ليحققون مآربهم الشخصية,فالأعمال بالنيات ولا يعلم النيات الا الله,فكم من شخص حكمنا عليه بحسن علمه وخُلقه وحلاوة أقواله ولم نجد من أفعاله الا السوء,صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما قال"ويقال للرجل :ما أعقله!وما أظرفه!وما أجلده!وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان."
وكم من شخص يظهر لنا أنه ملاك في عباداته ونجد أمواله يصنعها بالحرام,وكم من شخص يخرج علينا بتنظيراتٍ وتربوياتٍ ومحاضراتٍ وسلوكه وأعماله عكس ما يظهر لنا,وصدق من كتب يوما:" لا تغتري يا نفس بالاسماء والالقاب كثيراً,فليس من الضروري أن يعبر الاسم او اللقب عن المسمى,فهذا المسيح وذلك المسيح,ولكن فرقُ بين هذا وذاك,فهذا المسيح عليه السلام ,وذاك المسيح الدجال."
فلا تخدعكم إبتسامات البعض أو حركاتهم وإضافاتهم الزائفه,بل عليكم أن تعتقدوا عكس الحقيقة حتى تكتشفوا ما تجهلون,فكم من يتعمد أن يُخفي خلف الوداعة.....اللؤم,وخلف الخير....الشر,وخلف السلام....الانتقام.
هؤلاء من يملئون حياتنا بضجيجهم ويسوقون أفكارهم وانفسهم ومساوءهم,قد يخدعونا زمنا طويلاً,ولكن لن يخدعونا كل الزمن لأن السراب لا يخدع الا من كان وعائه خالياً من الماء,وليس صعباً إكتشافهم وتذكروا هذه القصة التي فيها كثير من العبر:
" ﺫﻫﺐ ﺯﻭﺟﺎﻥ ﻣﻌﺎً ﺇﻟﻰ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ ، ﻓﻮﺟﺪﺍ ﺍﻟﻘﺮﺩ ﻳﻠﻌﺐ ﻣﻊ ﺯﻭﺟﺘﻪ.
ﻓﻘﺎﻟﺖﺍﻟﺰﻭﺟﺔ : ﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﺭﺍﺋﻌﺔ ؟!
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﺺﺍﻷﺳﻮﺩ ﻭﺟﺪﺍ ﺍﻷﺳﺪ ﻳﺠﻠﺲ ﺻﺎﻣﺘﺎً ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﻗﻠﻴﻼً.
ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ : ﻳﺎ ﻟﻬﺎﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﻣﺄﺳﺎﻭﻳﺔ ؟!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺰﻭﺝ : ﺃﻟﻘﻲﻫﺬﻩ ﺍﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺭﻏﺔ ﺗﺠﺎﻩ زوجته وشاهدي ﻣﺎﺫﺍ ﺳﻴﻔﻌﻞ ؟!
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻟﻘﺘﻬﺎ ﻫﺎﺝ ﺍﻷﺳﺪﻭﺻﺎﺡ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺯﻭﺟﺘﻪ !
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻟﻘﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻔﺺﺍﻟﻘﺮﻭﺩ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻘﺮﺩ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻫﺎﺭﺑﺎً ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺼﻴﺒﻪ ﺍﻟﺰﺟﺎﺟﺔ ؟!"
فلا تخدعكم المظاهر فقد يظهر أمامكم شخص بعكس ما يبديه ,ولا تجعلوا للسراب مكانا في عقولكم ابدا ,وأفعلوا ما بوسعكم ان لا تقعوا فيه.
يقول جورج أورويل"في زمن الخداع يكون قول الحقيقة عملاً ثورياً",دعونا نفخر بحقيقتكم الطيب