"الهزيمة المرة" و"النصر الخاطف"، ماذا حل بهما ؟!
عريب الرنتاوي
05-06-2008 03:00 AM
"نكسة العرب" في حزيران 1967، تكمل اليوم عامها الحادي والأربعين، من دون أن تنجح الدول العربية في ترجمة شعار "أزالة آثار العدوان"، فما زالت الضفة الغربية محتلة وقطاع غزة بحكم المحتل بموجب القانون الدولي وهو يخضع لحصار أين منه أيام الاحتلال الصعبة، وكذا الحال بالنسبة لهضبة الجولان، اما صحراء سيناء فقد عادت لمصر بشروط ثقيلة، نجد تجلياتها في القيود المفروضة على السيادة المصرية عليها والتي لم تظهر تداعياتها المؤسفة في أي يوم من الأيام، كما ظهرت في أحداث غزة خلال العامين الفائتين، حيث وجدت القاهرة نفسها مكبلة في عديد رجال شرطتها وعتادهم وأماكن تموضعهم، إلى ما هنالك من أمور تندرج في صلب الممارسة السيادية للدولة على أراضيها.
في المقابل، فإن ""نصر إسرائيل الخاطف" في حرب الساعات الستة وفقا لتعبيرها، والذي مضى عليه أيضا زمن مماثل، من دون أن تنجح الدولة العبرية، في "هضم واستيعاب" ثمار ذلك النصر، برغم محاولاتها المتكررة والمستميتة لابتلاع ما يمكن أن تحظى به من غنائم تلك الحرب والأراضي العربية التي صارت محتلة منذ تاريخه.
العرب أخفقوا في تحرير أراضيهم المحتلة حربا، حتى بعد أن خاضوا حرب تشرين "التحريكية" بكل كفاءة واقتدار، وهم عجزوا عن استعادة حقوقهم سلما برغم مرور أكثر من من 27 عاما على أول مبادرة سلمية جماعية لهم (مبادرة الأمير فهد، فاس لاحقا)، وإعلانهم عن نهاية عصر الحروب والتزامهم السلام خيارا استراتيجيا وحيدا، وانخراطهم في مفاوضات سرية منذ اليوم التالي للاحتلال، وعلانية / جماعية منذ زيارة القدس وكامب ديفيد والمعاهدة وعملية مدريد – أوسلو – وادي عربة واري ريفير – كامب ديفيد – طابا – أنابوليس وانتهاء بمنزل أولمرت في القدس وتحت "عريشته".
وإسرائيل بدورها، لم تستطع أن تبتلع الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى القدس الشرقية، برغم نجاحها في بناء الكتل الاستيطانية وزرع ما يقرب من نصف مليون مستوطن، واقتطاع مساحات واسعة من الضفة بالجدار والمستوطنات والمعسكرات، وبرغم ضم القدس (العاصمة الأبدية الموحدة)...كما أن حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ 15 سنة، جددت بطريقة أو بأخرى استعدادها للهبوط من على هضبة الجولان برغم المستوطنات والمعسكرات والرادارات ومحطات الإنذابر المبكر والمياه و17 ألف مستوطن مزروع هناك، بقوة الإغراءات والإيديولوجيا والدوافع التوسعية.
لقد تخلت إسرائيل عن احتلالها لسيناء ومستوطنة ياميت ومنتجع طابا (بالتحكيم، وعن قطاع غزة بمستوطناته ومستوطنيه السبعة آلاف، وهي مستعدة للجلاء عن أكثر من ثمانين بالمائة من الضفة كما يقول المفاوضون الفلسطينييون وعن كل الجولان كما يقول المفاوضون السوريين، لكن إسرائيل لن تتراجع عن كل هذا وذاك إلا بشروط تذكرنا بقول الشاعر الشعبي المصري (رجعت سينا وضاعت مصر)، إذ يمكن لإسرائيل أن تعيد الجولان مقابل إلقاء القبض على سوريا، والتدخل في تشكيل حكوماتها مستقبلا، تماما مثلما تشترط واشنطن على العماد سليمان تعيين الياس المر في وزارة الدفاع، وتعيين قائد للجيش ترضى عنه ويحظى بثقتها، ويمكن أن تعود مساحات واسعة من الضفة للفلسطينيين، شرط القبول بالتهام القدس وتبديد حق الشعب اللاجئ في العودة إلى وطنه، والتسليم بأن السلطة الفلسطينية المقبلة، التي قد تحمل اسم "الجماهيرية الفلسطينية العظمى" لن تمارس في الواقع دورا يتخطى حدود "الإدارة المدنية".
ليس هذا ما كان يفكر فيه العرب زمن لاءات الخرطوم الثلاثة، وفي أيام نشوة النصر والعبور في أكتوبر، ولا عند انطلاقة الثورة الفلسطينية، ولا مع بدء عمليات السلام ومسلسل المبادرات والتنازلات الفردية والجماعية، والتي غالبا ما تأتي من الرياض، وترتبط باسم ولي عهد سرعان ما يصبح ملكا (مبادرة فهد / فاس، ومبادرة عبد الله / بيروت).
وفي المقابل، ليس هذا ما كانت تريده إسرائيل التي طالما رغبت في إبقاء حدودها مفتوحة على المزيد من الحروب والتوسعات، وإلى حيث تصل الدبابات الإسرائيلية، إسرائيل التي ضاقت ذرعا بـ160 ألف فلسطيني ظلوا على أرضهم ليصبحوا مليون ونصف المليون مواطن أصلي، إسرائيل هذه تختنق بأكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني ظلوا على أرضهم في الضفة والقطاع والقدس.
والخلاصة تقول: إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، والفشل العربي المخجل لا يعني نجاحا إسرائيليا مشرفا بالضرورة، وبقليل من الصمود وتماسك الإرادة واستعادة زمام المبادرة، يمكن لحرب 1967 التي تصادف ذكراها الأليمة اليوم، أن تكون خاتمة أحزاننا، وبداية نهاية التوسعية والعدوانية الإسرائيليتين، لكن إن ظللنا على هذه الحال من التهافت والهرولة وانعدام البدائل والخيارات، فليس ثمة ما يمنع ظهور شاعر جديد يذكرنا بـ"رجعت سينا وضاعت مصر".
الدستور