الدولة المدنية .. مفهوم وتطبيق
المحامي الدكتور هيثم عريفج
02-11-2015 01:12 PM
يثور لبس كبير في الاذهان عندما يتم طرح مصطلح الدولة المدنية، اذ ان هناك من يعتقد ان مدنية الدولة هي فقط فصل الدين عن الدول.
وتهاجم الفكرة من هذا المنطلق الضيق بوصف مدنية الدولة طريقاً لكفرها والحادها ، هذا مفهوم جزئي غير دقيق لفكر مدنية الدولة. ولا بد من توضيحه وتفسير الفكرة بشكل مبسط، حيث ان الدولة المدنية هي المشروع العصري لبناء دولة القانون والمؤسسات وهي السبيل لتحقيق التقدم المنشود بحيث تضمن الفكرة ان يعمل جميع ابناء الدولة من اجل بناءها مستندين الى المبدأ الاساسي وهو حب الوطن والانتماء له والشعور بالمصلحة الشخصية في الحفاظ عليه واستمراراه وتقدمه.
الدولة المدنية هي دولة تحترم وتحمي وتساوي بين افراد المجتمع دون النظر الى قوميتهم او فكرهم او دينهم او لغتهم او عرقهم. وينبغي توافر عدة مبادئ وشروط لقيام الدولة المدنية اذ إن غياب احدها ينفي قيام تلك الدولة.
مبدأ المساواة اذ تقوم الدولة المدنية على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث تضمن للجميع حقوق متساوية بصرف النظر عن العرق او الدين او اللغة او غيرها .
اول تلك المبادئ هو مبدأ سيادة القانون اذ ان المواطنون متساوون امام القانون ، بحيث لا تنتهك حقوقه اي فرد من افرادها من قبل فرد آخر أو جهة آخرى. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة القانون الذي تمثله وتطبقه الدولة بحيث يلجأ إليها الأفراد في حال انتهاك اي حق من حقوقهم أو في حال تعرضهم للتهدد بالانتهاك. فالدولة هي من يطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
وثانيها مبدأ الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة بحيث تكون كافة الحقوق المدنية والتجارية مصانه ومضمونه بموجب القانون الذي تطبقه الدولة .
ثم مبدأ المواطنة وهذا يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى في ذلك مع جميع المواطنين الاخرين .
يشترط أن تتأسس الدولة على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات ، حيث أن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ووجود حد أدنى من القواعد يتم اعتبارها خطوطا حمراء لاينبغي تجاوزها.
ثم مبدأ فصل الدين عن السياسة والقانون ، اذ لا يجوز أن تتأسس الدولة المدنية بخلط الدين بالسياسة. على أنها لاتعادي الدين أو ترفضه بل تحترمه وتحترم حرية الافراد في ممارسة ايمانهم . اذ أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. لكن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.
ثم مبدأ الديمقراطية اذ لا بد من تطبيق الديمقراطية الكاملة والتي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية.
هذه المبادئ مجتمعة تشكل اسس الدولة المدنية، بحيث اختلال اي منها يمنع قيام ما يسمى الدولة المدنية الحديثه، كثير من الدولة والافراد يسعون لتكريس تلك المبادئ دون لفت النظر الى الاسم الذي قد يثير بعض الجدل او الانتقاد، على ان الاسم ليس بيت القصيد ، بل المهم ان يتمتع المواطن وهو ركيزه اساسية في الدولة بتلك الحقوق والمبادئ .