حوار مع صديق صيني
السفير الدكتور موفق العجلوني
01-11-2015 12:41 PM
عرفته منذ عامين وكنا نلتقي بين الحين والآخر. كنت اتمنى ليست لغتي الصينية كلغته فحسب ولكن ايضاُ لغتي العربية, كنت استمتع بسماع لغته العربية: كانت لغته العربية ذات مذاق خاص، يتحدث بانسياب لغوي كجدول ماء عذب رقراق، الفاظه لا يشوبها اي خطأ قواعدي او بلاغي او زلة لسان او رفع او نصب او جر، علماً في عالمنا العربي وفي بعض مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بشكل عام ومنابر الخطابة والصالونات السياسية تسمع الكثير الكثير من الهرج والمرج ومن الزلات والهنات ومن الجر والرفع والنصب والمفعول به ونون النسوة والمفعول لاجله والمبني للمجهول والمبني للمعلول والمبني للمسؤول ونائب الفاعل والنائب اللازم و... المتعدي الى مفعول ومفعولين والاسماء الخمسة والجار والمجرور وواو العطف، وواو الجماعة وواو الشقاق والنفاق وواو المصيبة واخيراً واو المهرب والممنوع وواو الالعاب النارية في ساحات الجمرك... ولا حول ولا قوة الا بالله.
لماذا يتقن اصدقاؤنا الصينيون لغتنا العربية ولا نتقن لغتهم الصينية، علما ان علاقاتنا بالصين تعود الى مئات السنين ولا ننسى ابدا طريق الحرير البري وطريق البخور البحري بكل ما له من روابط اقنصادية وتجارية وحضارية وثقافية.
تاريخ العلاقات العربية الصينية يعود الى اكثر من ألفي عام خلت. ربط طريق الحرير البري مدينة تشانغ آن الصينية بالعراق وسوريا ومصر بعدما اخترق آسيا الوسطى ليصل الى طيشفون ( المدائن ) التي تبعد حوالي ثلاثين كيلومترا جنوب العاصمة العراقية بغداد، ومنها الى سوريا ومصر. وأما طريق البخور البحري الذي افتتح فيما بعد فهو طريق ثان يربط الصين بالعالم العربى، حيث ينطلق من المدن الصينية البحرية، منها قوانغتشو وتشيوانتشو ويانغتشو وهانغتشو ومينغتشو مرورا بمضيق ملقا فمضيق هرمز، ثم يتجه شمالا الى البصرة وبغداد. واما الفرع الثانى منه فينطلق من مضيق هرمز متجها نحو الغرب ليمر بصحار فى سلطنة عمان فمدينة عدن، ثم يتجه شمالا على طول شاطئ البحر الاحمر حتى يصل سوريا ومصر. وهذا يمثل الصفحة الاولى لتاريخ التبادلات بين الصين والعالم العربى. ربما كانت المرة الأولى التى سمع فيها الصينيون عن العرب سنة 638 م في فترة أسرة تانج.
ما دعاني للكتابة حقيقة هو صديقي الصيني... والذي سيغادرنا قريبا عائدا الى الصين... حيث سيترك فراغا كبيرا وخاصة انني سأفتقد جلساته وحواراته، وخاصىة انني فقدت صديقا صينيا قديما بنفس المواصفات غادر الاردن عام 2010 وعلمت مؤخرا انه تسلم " مستشار الرئيس الصيني لشؤون الشرق الاوسط " وقد فرحت لذلك، وطرحت على نفسي سؤالاً : لماذا الاردنيون سواء كانوا مدنيين ام عسكريين عندما يجبرون على مغادرة مواقعهم بسيف قرار الوزير عديم الضمير... دون سابق انذار، ويرمى بهم في غيابات الجب من قبل (اخوان يوسف..في الدوار الرابع ) عاطلين عن العمل وهم في قمة عطائهم وقد افنوا شبابهم في خدمة الوطن ووصلوا الى ما وصلوا اليه (بعد 20- 30 سنه ) بعرق جبينهم لا متسلقين كما يتسلق ابناء الذوات على ارث ابوي او عائلي او عشائري او قبلي او شللي وحتى اقليمي او جغرافي!!
كانت لي جلسة مطولة مع صديقي الصيني... في مكان اقامته المزركش بنقوش صينية وقوارير مزينة بخطوط عربية. تناولنا اطراف الحديث في مسائل كثيرة، وخاصة انه مغادر فقد حاولت استغلال هذه الجلسة للاستفادة من معين معلوماته الغنية حول الكثير من القضايا السياسية والمتغيرات والتطورات التي يمر بها الشرق الاوسط واحسبة من الخبراء في قضايا الشرق الاوسط، وكان من ابرز المواضيع التي تم تناولها :
العلاقات الاردنية الصينية
تاريخ العلاقات العربية الصينية
الوضع في سوريا والتطورات الاخيرة على الساحة السورية
الوضع في العراق
داعش والجماعات الارهابية
الاسلام السياسي والفكر الارهابي
تاريخ اوروبا ودور الكنيسة والفصل بين الدين والسياسة
القضايا العربية بمجملها
وضع المسلمين منذ ايام الرسول صلى الله عليه وسلم
وضع المسلمين في الصين
العلاقات الاميركية الروسية والازمة السورية
الدور التركي في سوريا
الدور الايراني في المنطقة
الربيع العربي
التداخلات العربية العربية
العلاقات بين القيادات العربية والشعوب العربية
المناهج الدراسية في العالم العربي والاسلامي
الاعلام العربي
السياسات الخارجية للدول العربية
علاقة العالم العربي مع الغرب
اعادة احياء الحزام البري والبحري لطريق الحرير
حقيقة صديقي الصيني يلم بكل هذه المعلومات ولدية نظرة ثاقبة وتحليل يحتاج الى تفكير عميق وتوقف عند كل هذه المحاور والتي تعكس كيف وصلت الصين الى ما وصلت اليه من تقدم حضاري وحضور على الساحة الدولية حضاريا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا.
كنت اتمنى اننا كسفراء ان يكون لدينا حوار مماثل وعلاقة صداقة مع وزير خارجيتنا السيد ناصر جوده ( الفيتاليسيو على مبدأ السياسة التشيلانية ) أو ( الوزير المفقود والغايب فيلة على رأي احد صحفيينا البارزين ) لا علاقة اوتوكراسية ( ون وي ترافك ) وجدار عازل بين مكتب الوزير والسفراء وان يكون هذا الفيض من المعلومات والتحليل السياسي والبعد الاستراتيجي لكافة المسائل التي تم تناولها مع صديقي الصيني قد تم تداولها مع وزير الخارجية ولكن كما يقول المثل ( ان كنت تدري فتلك مصيبة وان كنت لا تدري فالمصيبة أعظم ).
لم افاجأ بما تناوله صديقي... الصيني لانني سبق لي ان ترأست وفد الاردن لمنتدى التعاون العربي الصيني عام 2009 وما شاهدته في الصين خلال 12 يوماً وما سمعته من اصدقائنا الصينيين خلال المداولات كان مثار اعجاب وانبهار كيف يفكر الصينيون وكيف يتحاورون مقارنة بالجانب العربي والذي لم يكن حقيقة بمستوى التفكير الصيني حيث كان الصينيون يركزون على جوانب محددة وواضحة تخدم مصالحهم، اما الوفود العربية فكان كل يغني على ليلاه.
لا يسمح المجال باستعراض كافة المواضيع التي تم تناولتها مع صديقي الصيني... علما بانها مواضيع في غاية الاهمية وتصلح ان تصدر في كتاب باللغتين العربية والصينية – ولكنني سأتوقف هنا عند بعض المحاور التي تناولها صديقي الصيني :
المناهج الدراسية : اكد صديقي الصيني عدم تطابق المناهج الدراسية في عالمنا العربي والاسلامي حتى مخرجات التعليم الجامعي مع الواقع وعدم تطوير هذه المناهج لتتناسب مع مجريات وتطورات العصر الحديث.
حدثت حروب طاحنة في اوروبا واستمرت مئات السنين وكانت الكنيسة تسيطر على كل شيء، الا ان الاوروبيين قاموا باصلاحات عديدة واهمها فصلوا الدين عن السياسة وطوروا المناهج المدرسية والتعليم الجامعي وتعلموا من اخطائهم ومن حروبهم ومن مصائبهم وشكلوا " الاتحاد الاوروبي " وها نحن نرى الاتحاد الاوروبي مفتوح امام الزائر لا يحتاج الى التوقف عند نقطة حدود، فاين ذلك من العالم العربي !!
الازمة السورية : ان الازمة السورية لا تشكل ازمة داخلية فحسب وانما اصبحت صراعاً دولياً، صراع اميركي روسي ايراني تركي. التدخل الروسي لم ينقذ الرئيس السوري فحسب بل انقذ سوريا من الانهيار علاوة على وجود تصفية حسابات روسية مع الولايات المتحدة الاميركية على الاراضي السورية تعود جذورها الى افغانستان. يبدوا ان هنالك بوادر اتفاق روسي اميركي للخروج بحل سياسي... الا ان الامور غامضة ويعتمد الى اي حد سيقبل الاميركيون الهزيمة، لان الولايات المتحدة ستعمل على محاولة افشال الدور الروسي في سوريا، ولكن لا ترغب الولايات المتحدة بدخول حرب برية في سوريا حيث تلقنت دروس كافية في العراق بعكس الروس هم الان على الارض وفي الجو والبحر.اما التخوف الحقيقي، ان تقوم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بتزويد المعارضة بتقنيات عسكرية واسلحة حديثة، عندها سيكون الطريق مسدود لايجاد حل للا زمة السورية.
ثالثاً حرية الفكر : اضاف صديقي الصيني انه لا توجد حرية فكر في العالم العربي والاسلامي، حيث اشار الى أنه في حالة قيام شخص غير مسلم باعتناق الاسلام تقوم الدنيا وتقعد في العالم العربي والاسلامي، ولكن عندما يقوم شخص مسلم بالارتداد عن الدين الاسلامي واعتناق ديانة اخرى يحكم عليه بالقتل، ولا يتم التفكير بمعرفة الاسباب التي جعلته يعيد النظر في اسلامه والوقوف على هذه الاسباب، اضافة الى ان من اسباب التحاق الشباب بالجماعات الارهابية والمتطرفة هو حالة الاحباط والفقر والبطالة والقهر والفوارق الاجتماعية والطبيقية التي يعاني منها الشباب في العالم العربي والاسلامي. وحسب رأي صديقي الصيني انه من اسباب قيام الربيع العربي هو عدم وجود تواصل بين القيادات العربية وشعوبها وعدم العدالة الاجتماعية والمساواة.و لا بد من اخذ الدورس والعبر من تجربة الدول الاخرى في الاصلاح وكيف وصلت الى هذه الدرجة من التقدم والازدهار.
و يضيف صديقي الصيني، الشعوب العربية تمتلك كل المقومات البشرية والمادية والاقتصادية، لكن اين العالم العربي من العالم المتقدم ؟؟ وعند مداخلتي بأن الغرب ساهم في الوضع الحالي المتردي في العالم العربي، اجاب بانفعال : هذا كلام غير صحيح، انتم العرب والمسلمون ترمون بمشاكلكم دائما على الاخرين،عليكم البحث بعمق وايجاد حلول لمشاكلكم واخطائكم وان يكون لديكم استراتيجيات مبنية على دراسات معمقة وواقعية وان تحلوا خلافاتكم من خلال الحوار وان يكون هنالك ديمقراطية وحرية فكر وصحافة واعلام مسؤول. وبالتالي سيكون للعالم العربي والاسلامي مكانه مرموقة في هذا العالم.
العلاقة العربية الصينية، الصين حريصة على تعزيز العلاقات مع العالم العربي والاسلامي وسوف يكون هنالك العديد من اللقاءات والمؤتمرات وخاصة الدور الذي يلعبه منتدى الحوار العربي الصيني في احيا الحزام البري والبحري لطريق الحرير.
شكرا لصديقي الصيني على هذا اللقاء الممتع والمفيد جداً, متمنياً لصديقي كل التوفيق والنجاح في عودته الى بلده العظيم، وان يحمل معه الى الصين ذكريات طيبة عن الاردن والاردنيين.
و في الختام فاتني ان اشير ان صديقي الصيني من المعجبين جداُ بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وبما يتمتع به جلالته من حكمة وعقلانية وبعد نظر واحترام منقطع النظير على مستوى زعماء العالم والقيادات السياسية، والعلاقة الوطيدة التي تربطة بالقيادة الصينية والتي تمثلت بالعديد من الزيارات للصين. اضافة ان جلالته استطاع بحكمته ان يكون الاردن البلد العربي الوحيد الذي تجاوز ازمات ( الربيع العربي ) وان يقوده الى بر الامان. وهذا يعود لقرب جلالة الملك من شعبه أولاً والسهر على راحتهم وامنهم وتقدمهم وازدهارهم.