محاسبة "النواطير" فقط أم "الهوامير" ايضا .. ؟!
حسين الرواشدة
01-11-2015 02:33 AM
كان يمكن لحادثة “جمرك عمان” ان تكون فرصة لمجتمعنا (بما تبقى فيه من قوى واحزاب وبرلمان) لكي يستعيد عافيته ، وينهض للمطالبة بفتح الملف ومحاسبة المسؤولين عنه ، ومصارحة الرأي العام بكل التفاصيل ، لكن سرعان ما التقطت الحكومة زمام المبادرة، فاعلنت مسؤوليتها (الاخلاقية ربما) عما حدث، ثم احالت مدير الجمارك للتقاعد، وبهذا طويت الصفحة، وانيطت مهمة التحقيق فيها بلجنة تم تشكيلها على عجل، ولا نعرف بالضبط مع من ستحقق ولا فيما اذا كان التحقيق سيتجاوز البعد الفني الى المسؤولية الادارية والسياسية ايضا.
قبل ان نسأل عن تفاصيل “انفجار” حاويات الالعاب النارية في ساحة جمرك عمان، كان يجب ان ندقق في مسألتين: الاولى “هوية” الشحنة المستوردة التي ضبطت في ميناء العقبة وتم نقلها الى عمان : من هي الشركة التي استوردتها، ومتى، وكيف مرت اجراءات ادخالها ، ومن هم اصحابها، ولماذا لم تبلغ دائرة المواصفات بها ، ثم لماذا تأخر موعد اتلافها ، وكيف جرى بيعها،..الخ ، كل هذه المعطيات ضرورية لفهم الحلقة المفقودة في قضية استيراد “المفرقعات “ التي تم منع استيرادها منذ عامين بقانون ساري المفعول، وفيما اذا كان يقف وراء “ستارتها” اشخاص متنفذون او شركات وهمية او فساد من اي نوع كان، اما المسألة الاخرى فتتعلق بالاجراءات التي تمت بعد الحادثة ، حيث ان اعلان الحكومة عن مسؤوليتها يعني بالضرورة ان هذه المسؤولية ليست اخلاقية فقط وانما قانونية وسياسية ايضا ، كما يعني ان جهة ما رسمية قصرت واهملت وبالتالي لا بد من مساءلتها ومحاسبتها، واذا افترضنا – جدلا – ان هذه الجهة هي دائرة الجمارك (ممثلة بمديرها) فان الواجب هو مساءلة المدير لا احالته الى التقاعد (بما تعنيه من تبرئة مسبقة)، لكي لا نقول تشكيل لجنة قضائية برلمانية لمساءلة من هو اعلى من المدير ، وكل من له علاقة بالحادثة ومحاسبتهم ايضا.
لا اريد – بالطبع – ان نستبق نتائج التحقيق ، لكن أليس من حق المجتمع الذي صدمته حادثة الانفجار، ان يعرف على الاقل “لغز” استيراد هذه الشحنة التي كان يجب ان لا يسمح باستيرادها اصلا، او ان يعرف الاسم الحقيقي للشركة المستوردة واصحابها ، او ان يعرف الاسباب الموجبة لاحالة مدير الجمارك للتقاعد قبل ان يجري التحقيق معه؟
من المفارقات الغريبة ان “المفرقعات” التي منعنا منذ عامين دخولها الى بلدنا تتفجر امامنا في كل مناسبة ، ولم نسمع ان جهة ما سارعت للقبض على مستخدميها ، او التحقيق مع الجهة التي قامت ببيعها، وكأن منع استيرادها لا يعني بالضرورة من استخدامها ايضا ، على الرغم من سقوط العديد من الضحايا بسببها.
المسألة – بالطبع – لا تتعلق “بالالعاب النارية” التي دفعنا في حادثة الجمرك ضريبة انفجارها ( 7 قتلى واكثر من 10 مصابين) ، وانما تتعلق “بألاعيب” الفساد التي اصبح البعض يمارسها “بوقاحة” حتى وصلت الى تهديد حياة الناس في بلادنا، ابتداء من الغذاء الى الدواء الى شراء ضمائر الموفين الى سرقة اموال الناس واعمارهم ايضا ، هذه “ الالاعيب “ التي لا نعرف “ ابا “ لها او نسبا ، هي الخطر الذي كان يجب ان نستذكره حين صدمتنا حادثة الجمرك ، لان الذين استهانوا ومرروا شحنة مفارقعات او اخطأوا في ادارة اتلافها يمكن ايضا ان يخطئوا ويمرروا شحنة قمح فاسدة او لحوما فاسدة ( الم يحدث ذلك ومر بدون حساب ..؟) وربما اسلحة فاسدة ايضا.
في غياب صوت المجتمع القادر على فرض ارادته على الحكومة ومؤسسات الرقابة والتشريع ، يمكن لأخطر الحوادث ان تمر وتنتهي دون ان يدفع المتورطون فيها والمسؤولون عنها الثمن المطلوب ، وفي غمرة انشغال البرلمان والاحزاب والنقابات والنخب بصراعاتها على المكاسب واجندات الخارج يفتح المواطن عينيه(فاغرتين) فلا يرى احدا يدافع عنه، وبالتالي لا يجوز ان نسأل لماذا يفقد الناس ثقتهم بمن حولهم ، ولماذا يبحثون عن اية وسيلة لاخذ حقوقهم بايديهم ، او تجريب خوظهم في الانضمام لطوابير اصحاب المصالح فتدب الفوضى في المجتمع.
هنا يكمن خطر “طي الصفحة” وعدم المحاسبة وغياب العدالة والتعامل بمنطق الشطارة ، وهنا ايضا يصبح تكرار “ بروفات “ تقديم كبش الفداء واستغلال قابلية ذاكرة الناس للنسيان ، مجرد محاولة بائسة لحل الازمات والمشكلات ، بدل مواجهتها بالحزم ، واقناع الجميع ان القانون خط احمر، ليس على الضعفاء و” النواطير “ فقط وانما على الكبار و “الهوامير “ ايضا..
الدستور