ليالي الأُنْس في "فينَّا"!
صالح القلاب
01-11-2015 02:29 AM
ما كان من الممكن أن يخرج اجتماع «فينَّا» الأخير, أمس الأول الجمعة, بأي إنجاز ولو محدود ومتواضع لحل الأزمة السورية, التي أصبحت بمثابة «فالج لا تعالج», وحقيقة أن ما جرى في العاصمة النمساوية كان بمثابة مهرجان, حَضَرهُ «12» مندوباً كلهم على مستوى وزراء الخارجية, قيلت فيه خطابات «عرمرمية» بعضها كان مجرد «غزل» بوحدة سوريا بينما لم يشدد على الموضوع الرئيسي الذي هو ضرورة التخلص من بشار الأسد استجابة لرغبة أكثرية الشعب السوري, إلَّا الذين أيدي بلدانهم في النار والذين يمثلون ليس توجهات بلدانهم وفقط بل الوجدان العربي النقيِّ كله.
لقد بقي لافروف في هذا المهرجان أو هذا اللقاء أو هذا المؤتمر هو.. هو ولعل المضحك فعلاً أنَّ وزير الخارجية الروسي قد كرر ما بقي يقوله منذ بداية هذه الأزمة وما بقي الإيرانيون وأيضاً ما بقي يقوله رئيس النظام السوري نفسه وهو: أن مستقبل بشار الأسد وبقائه في «موقعه» يحدده شعب سوريا.. والسؤال الذي كان يجب أن يوجه إليه فوراً: ..إن ما تقوله صحيح ولكن أين هو هذا الشعب السوري ما دام أنَّ عدد اللاجئين منه, إنْ في الداخل وإنْ في الخارج, يتجاوز العشرة ملايين وما دام أن الأمم المتحدة تقرِّ بأكثر من ربع مليون قتيل منه.. وهذا غير المفقودين وغير نزلاء السجون وغير الذين إنْ كان بالإمكان إجراء استفتاء بهذا الخصوص فإن رأيهم معروفٌ منذ الآن.. إنه سيكون «لا» كبيرة لرجل فعل بهم كل هذا الذي فعله والذي تجاوز فيه ما كان فعله والده في مدينة «حماه» عام 1982.
لم يُجْمعْ أصحاب «فينَّا» إلَّا على: «وحدة سوريا» أمَّا مصير الأسد فإنه بقي غائباً وأمَّا كل هذا التدخل العسكري «الرسمي»في شؤون دولة عربية من المفترض أنه لا يزال التعامل معها على أنها «مستقلة» فإنه ربما لم يُذكر إلَّا منْ قبل وزير خارجية عربي واحد.. إن هذا واقع الحال ولذلك ومن قبيل تجنب إعلان الفشل وتلافيه فقد تم «التواعد» على مهرجانٍ آخر بعد أسبوعين وهنا فإن هناك مثلاً عربياً يقول: «مواعيد عرقوب» !
ما كان يجب أنْ تشارك إيران لا بوزير خارجيتها ولا بأي مسؤول إيرانيٍّ آخر في هذا «المهرجان» حتى وإنْ كان المقصود به مجرد: «ليالي الأُنْس في فينَّا» فإيرانُ مسبِّبٌ رئيسي في كل ما وصلت إليه سوريا وفي ما حلَّ من ويلات بالشعب السوري وإيران تختلف عن روسيا في أنَّ هذه الأخيرة كانت شريكاً في «جنيف1» وأنها بقيت تستضيف وفوداً من المعارضة السورية المقاتلة و»المدجَّنة» على حدٍّ سواء وتحت شعار: «لا حلَّ عسكرياً لهذه الأزمة والعمل السياسي هو الحل».. وإنها, أي روسيا, لا تزال تتحدث بهذه اللغة الناعمة حتى بعد تدخلها العسكري الذي إنْ هو استمر فإنه سيعتبر احتلالاً مثله مثل الاحتلال الإيراني.
من المفترض أنه ليْس مفاجئاً لأصحاب «فينَّا» أو لبعضهم أن يكون موقف روسيا هو الموقف نفسه الذي بقيت تتمسك به منذ البدايات فالروس ورغم أنهم فوجئوا بـ «تواضع» إنجازاتهم العسكرية قياساً بتقديرات البدايات فإنهم قد جاءوا إلى العاصمة النمساوية بقناعة أن صاحب القرار هو الذي يملك «الميدان».. وهو الذي تسيطر قاذفاته «الإستراتيجية» على السماء وعلى الأرض ولذلك فإنهم تمسكوا بما يمكن اعتباره: «الأسد إلى الأبد» و»أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير رئيسه» !!
ويقيناً أنَّ تقديرات الروس, هذه الآنفة الذكر, ليست صحيحة أو ليست دقيقة فهم في حقيقة الأمر لا يملكون «الميدان» حتى وإن كانوا يملكون السماء والدليل هو استدعاؤهم لبشار الأسد بما يشبه «الجَلْب» ليبلغوه طريقة «إخراج» رحيله.. وخطوة بعد خطوة وهم في حقيقة الأمر قد أدركوا بعد نحو شهر من العمليات الجوية, التي لم تستهدف «داعش» لا من قريب ولا من بعيد, أن الانتصار على الجيش الحر والمعارضة المقاتلة ليس سهلاً وأنَّ جيش النظام ومعه حراس الثورة والتنظيمات الطائفية المرتبطة بهم وحزب الله لم يحققوا على الأرض أي إنجاز حقيقي.. وهنا وإذا بقيت الأمور تسير على هذا النحو فإنه غير مستبعد أن تبدأ روسيا بالتعامل مع هذا الوضع المعقد بطريقة منطقية وإلى حدِّ أنها قد تبادر إلى انسحاب كيفيٍّ بعد اتفاق معقول على أساس «جنيف1».. وتكتفي من الغنيمة بالإياب !!
الرأي