جرائم الكترونية .. سمعة سيئة
باسل الرفايعة
28-10-2015 09:09 PM
ماذا تستفيد الدولة الأردنية من السمعة السيئة المترتِّبة على توقيف وحبس الصحافيين والكتّاب في قضايا المطبوعات والنشر. أيُّ تسويق تتوخّاه، ولأيّ صورةٍ، ولأيّ بلد حين يجدُ الديوان الخاص بتفسير القوانين مخرجاً تشريعياً لتوقيف الصحافيين، وفقا للمادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية، بما يشملُ النخب الثقافية الناشطة في الكتابة على منصّات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية، أو المتخصصة على الشبكة.
المُفترض أنْ تستفيد البلادُ من الخبرات المتخصصة لأعضاء الديوان الخاص في البحث عن حلولٍ قانونية، ترفعُ سقف حرية التعبير، وتحرّر المهنيين والقوى التنويرية من التفسيرات الفضفاضة والتأويلات الملتوية لجرائم الذمّ والقدح، فالبلاد تتقدم أكثر فأكثر حينما تكون الرؤى التشريعية حديثة، وتقدّر المصلحة العامة، وفي ذهنها النماذج والتجارب المتطورة في العالم الذي حولنا.
التفكيرُ في تشريعات تتكيّف مع عصر "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" يجب أن يُعبّر عن اتساع آفاق العالم الرقمي، وتشابك أسئلته، وتجاوزه للقيود البدائية المفروضة على التعبير الانساني، سواءً لرجل يُدوّنُ على هاتفه من مقهى، أو لصحافيّ يكتبُ مقالاً أو خبراً في موقع الكتروني. أليس سوريالياً أنّ الصحافيّ يمكن أن يُحاكم على أكثر من قانون حين يكتبُ تدويناً على صفحته في "فيسبوك"، ثم يُعيد نشره في منصة إخبارية، مرخصة بموجب قانون المطبوعات والنشر.
الديوانُ الخاص توخّى حلَّ مشكلة "الذمّ والقدح" بإجازة حبس الصحافيين والناشطين وفقا للمادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية، والمادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وليس المادتين (42) و(45) من قانون المطبوعات والنشر. هل من معنى لذلك أكثر وضوحاً من الحرص على ضرورة تراجع النقد السياسي، والمعالجات النقدية الفكرية عموماً في بلادنا، تمهيداً لاضمحلال دور النخب الناقدة في المجتمع، وعزلها عن قيادة الرأي العام والتأثير فيه. وترك مزيدٍ من المساحات للظلاميين يلعبون فيها وحدهم دون مُنافس.
أتحدثُ هنا عن الصحافيين، وعن الاتجاهات والتيارات التنويرية في المجتمع، وليس عن جيوش "الجهاد الالكتروني" الذين يوفرون اسناداً للإرهاب في ميادينه السوداء، ليس عن دعاة الطائفية والتجهيل. وأتساءل عن عدم ملاحقة هؤلاء بأكثر من قانون، وهم يهددون الأمن، والعيش المشترك، والحياة نفسها، فالذين يمثلون أمام القضاء الآن في قضايا المطبوعات والجرائم الالكترونية معظمهم صحافيون وكتّاب.
لا مكاسب من خنق الأصوات الناقدة في الأردن. لا تنمية ثقافية في ظل الخوف من تبعات التعبير والنقاش. وحماية الدولة لا تتحقّقُ عبرَ حراسة الشخصيات العامة بقوانين من خارج العصر، تحت ذريعة "الذم والقدح". بل إنَّ الفتوى التشريعية من الديوان الخاص ونتائجها تجعل تردي أوضاع الحريات في الأردن مادة جاذبة للمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان والصحافة، وذلك أسوأ مُنقلب.