كاندلاق قدح على شرشف الطاولة.. أو احتكاك غير مقصود بالاحذية تحت سُفرة العشاء.. اعتذر بكل بساطة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير عن غزو العراق... فالمعلومات الاستخباراتية كانت خاطئة آنذاك! لم يكن يقصد ذلك.. لكن حدث ما حدث ... اعتذار طفيف بحجم الحدث، بحجم فوران الكولا في كوب بساق زجاجية رفيعة يمكن ان يقبل على نفس المائدة...ا عتذار حسب الأعراف السائدة ...يمكن أن تنهيه مقابلة تلفزيونية و مذيعة تعرّي نصف الفخذ عند الحديث عن الشرق الأوسط....
توني بلير يعتذر... وطن بحجم العراق يصبح ملفاً من «أوراق»... يصبح جدولاً «للكلمات المتقاطعة» والطوائف المتقاطعة... والعشائر المتقاطعة والعصابات المتقاطعة والسكين الساطعة..
توني بلير يعتذر... وحتى اللحظة كلما حفر مزارع عراقي بفأسه في أرض النخل خرج على رأس الفأس «بزة عسكرية» دفنت تحت القصف ، وكلما مسحت أم دمعة من عينها العمياء على الراحلين نبتت أخرى من جفن الدلف..
توني بلير يعتذر... وما زالت جنازير الدبابات فوق دجلة... تجاعيد وجع مثل الحرق فوق ذراع طفلة... توني بلير يعتذر... والأطفال الذين حرموا من أقلام الرصاص بسبب الحصار.. ما زالوا يخطّون أمّيتهم بمهارة واقتدار..لم يتعلّموا شيئاً غير الموت او الفرار... أبجديتهم «باء» البندقية... و"تاء» التسليح...و"جيم» الجوع... لم يعدوا على أصابعهم الا جثث الشهداء ولم يتقنوا الا تهجئة "الحروب"...
توني بلير يعتذر...عمّ تعتذر و لمن تعتذر؟...لعبير تلك الفتاة التي أُغتصبت ثم أحرقت....للعراق التي أغتصبت ثم أحرقت...الا تلاحظ ايها السيد بلير أن العراق وعبير أدمعتا من ذات «العين»...عين العفّة ...
توني بلير يعتذر...لا تعتذر.. فكل الذين يستحقون الاعتذار ماتوا... والحي لا ينوب عن الموت بالمسامحة.. والشاهد لا ينوب عن المظلوم بالمصالحة... وكل الذين سفكتَ دماءهم وأحرقت أوطانهم لا يصلهم بث الــ»سي ان ان» ولا يكترثون بالترددات...
لا تعتذر... شفوياً.... فالخطأ كان دمويا....نريدك للمقاصصة...نريدك كما انت بربطة عنقك وعطرك وذنبك الملفوف خلف بنطالك، نريدك وانت في قمة عطائك وبقائك وشقائك..
لا نريد اعتذاراً مكتوباً...فالمقبرة الجماعية لا يكفيها.. "محبرة جماعية" لتملي لها الاعتذارات...نريده اعتذاراً «مكتوفا» يرضي كل من رحلوا بدمائهم المعتقة...اعتذاراً تكتبه برجليك في فضاء المشنقة...
الرأي