لست محللا اقتصاديا، ولا يلزمني أن أكون خبيرا في هذا العلم، كي أفهم أننا نمر في أزمة اقتصادية طاحنة، وفق جملة مؤشرات، لا تخطئها العين!
ما يستفزك في هذا الصدد، أن تقرأ تصريحا لرجل يحمل ملف التخطيط للبلد، فيقول بملء الفم، أن الأردن خرج من عنق الزجاجة، الكلام قد يبدو صحيحا للوهلة الأولى، أعني الخروج من عنق الزجاجة، ولكن إلى أين؟ هذا السؤال!
حين يقول لك ميكانيكي ديزل، لنتحدث بلغة الناس البسطاء، أن حصيلة عمله خلال أسبوع، لم تتجاوز أربعة دنانير، في حين كان يعود كل يوم محملا بمئات الدنانير، قبل الخروج من عنق الزجاجة إياه(!) تفهم حينها مغزى الهذيان الذي تقرأه!
وحين يمسك بتلابيبك تاجر من الطبقة الوسطى، ذات عرس، فيتدفق بآلاف القصص عن إفلاس مئات التجار، وإغلاق آلاف الشركات والمصالح، وفرارها إلى دبي، وتركيا، وحتى مصر، تفهم أن عنق الزجاجة المعني بالكلام، ربما زجاجة كولا، يخرج منها ماء فوار، سرعان ما يتحول إلى رذاذ يتناثر في الهواء!
حين لا تسمع حيث اتجهت، وفي كل التجمعات، والمناسبات، إلا الشكوى من تآكل الراتب، وقصوره عن الوصول إلى الأسبوع الثاني من الشهر، فهذا يعني أن الزجاجة إياها تتكسر على رؤوسهم، ولا أقول أنها دخلت في حلوقهم، فاختنقوا بها!
رقميا، ربما يكون الاقتصاد يتحسن، حسب البنك المركزي الأردني، فإن معدل النمو ارتفع خلال النصف الأول من العام الجاري 2015 إلى 4 بالمائة مقابل 3 بالمائة خلال العام الفائت 2014، ربما هذا ما عناه وزير التخطيط حينما قال أن الاقتصاد الأردني خرج من عنق الزجاجة، ولكن رقميا أيضا، وحسب خبراء، ينعكس ضعف أداء قطاع الدولة وهروب الاستثمارات بشكل سلبي على سوق العمل بشكل يؤدي إلى تزايد حدة البطالة التي تقدرها منظمة العمل الدولية بنسبة 14 بالمائة على مستوى الأردن ككل، وجاء في دراسة للمنظمة أن هذه النسبة تصل إلى أكثر من 22 بالمائة في المناطق التي تضم كثافة عالية من اللاجئين والعمال الأجانب. غير أن تقديرات بعض الجهات الأهلية والدولية تذهب إلى حد القول إن نسبة البطالة تطال نحو ثلث الشباب في الأردن، وهنا اللعنة الكبرى، مع كلفة عالية أمنيا واجتماعيا!.
غالبا ما تكشف تصريحات المسؤولين الحكوميين في بلادنا، عن بوح شخصي، خاص بهم، فهم يعيشون في بحبوحة، من حيث الرواتب والامتيازات، ولا يشعرون بل لا يعرفون ماذا يجري «تحت» في الشارع، وربما هم غير معنيين بهذا، كونهم يتحدثون عن أرقام صماء، ومعادلات حسابية، يكفي أن تجلس مع صاحب محل «لم يستفتح» ولا بدينار حتى المساء، كي تعرف معنى الأرقام في الواقع المعاش، وعنق الزجاجة التي خرجنا منها!
الدستور