اللامركزية تعود .. فهل سيكون الطريق سالكاً؟
صبري الربيحات
27-10-2015 01:38 PM
على ايقاع الاحداث في محيطنا ورائحة الدم والبارود وغبار الدمار الممتد من الشام لبغداد ومن القدس الى اليمن لم يعد في الاردن مساحة للمناكفات التي اعتادت عليها النخب والممارسات التي لجأ لها البعض خلال الاعوام السابقة فكانت احد الاسباب الاهم في عرقلة التغيير وفرملة الاصلاح تحت عناوين الامعان والاجتهادات المفرطة في قراءة وتشخيص مصلحة النظام.. والتي حرص مفتعلوها على تبرير المواقف بمبررات تتراوح بين عدم جاهزية المجتمع تارة.. والخوف على الاستقرار تارة اخرى، وتجنب القفز في الهواء.. والانتظار حتى حصول اتفاق نهائي بخصوص القضية الفلسطينية وغيرها من المبررات التي كانت تتوالد على ألسنة الذين ظنوا بانهم حماة الديار ولا غيرهم معني بهذا الشأن الذي احتكروا الخوض فيه وقابلوا كل مجتهد وصاحب رأي بشيء من السخرية والازدراء على اعتبار انهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلا وانهم لا يعرفون الوصفة السحرية التي يمتلكها جناح مقاومة الاصلاح والتغيير في البلاد.
معظم ما كان يقال مدفوع باجتهادات ومبررات تنسجم مع رغبة هذه الفئة في ادامة سيطرتهم على مفاصل القرار وتسميم آراء الغير واتهامهم تارة بالاستشراق واخرى بتبني وصفات غربية وحقيقة الامر انهم يودون الحفاظ على مواقعهم وامتيازاتهم وتجذير نفوذهم.
حالة الاختلاف في التفسير والاجتهادات قديمة حديثة وقد وفرت لصانع القرار بدائل يمكن الاستعانة بها عند كل استدارة يتخذها النظام في معالجة اولويات سياساته الداخلية والخارجية وقد كانت ميزة نسبية في عهد جلالة الراحل الكبير.. لكن استمرار التباين في التأويل بين العديد من اللاعبين السياسيين في السلطتين التشريعية والتنفيذية واستمرار حالة التخمين والاجتهاد حول ما تريده الدولة وما يصدر عن القيادة ظهرت في اوضح تجلياتها خلال الاسابيع والايام الماضية وعلى اثر تعاطي السلطتين مع بعض القوانين المرتبطة بعملية الاصلاح السياسي.
ففي سابقة لفتت انظار الاعلاميين والمراقبين دعا رئيس الوزراء الاردني الاحزاب والناشطين الى تقديم مقترحاتهم حول التعديلات التي يرون ضرورة ادخالها على قانون الاحزاب الذي كان قد اقره مجلس الامة وظن الرئيس بان جلالة الملك لن يصادق عليه لاعتقاده بانه لا يلبي الطموح، كان ذلك خلال الندوة التي نظمتها وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية للاحزاب الشهر الماضي في البحر الميت وبحضور عدد من وزراء التنمية السياسية السابقين، ليكتشف الرئيس والحضور في نفس اليوم ان القانون قد وقع من قبل الملك خلافا لما اعتقده الرئيس الامر الذي شكل مصدرا للتندر والاستغراب واحراجا للحكومة التي كانت منشغلة بعرض مشروع قانون الانتخاب على قوى وفعاليات المجتمع.
على الجانب الآخر علق رئيس مجلس الاعيان الدكتور عبدالرؤوف الروابدة على مسودة القانون بقوله انه يتيم في اشارة الى ان الحكومة غير متحمسة للوقوف وراءه والدفاع عنه في اشارة الى التصريحات الصادرة من الحكومة بانها تضعه في عهدة النواب الذين سيتولون مناقشته مع فعاليات المجتمع ويحدثون ما قد يرون من تعديلات...
تعليقات الروابدة التي جاءت مبكرة وسابقة على تناول الاعيان للقانون جاءت صادمة للجميع حيث فسر البعض هذا التصريح بانه تعبير عن نية محتملة لدى الاعيان لاجهاض المشروع والمباشرة بحشد رأي عام ونيابي مناوئ للمشروع كما جاء من الحكومة...
تصريحات الروابدة التي جاءت على خلفية جلسة مشتركة اسفرت عن اقرار تعديلات على اللامركزية افرغت القانون من محتواه مما اغضب العديد من المتحمسين للقانون باعتباره خطوة اصلاحية تغير في نظرة النواب والمجتمع لدور النائب وتسهم في توجيه طاقاته نحو الرقابة والتشريع بعيدا عن الادارة والخدمات والتنمية التي تعتبر مهام اساسية لمجالس المحافظات في قانون اللامركزية.
الخطوات التي اتخذها دولة الروابدة في التعبير عن رأيه في القانونين فسرت من قبل العديد من المراقبين والمهتمين بانها اشارات لعرقلة تمرير المنظومة التشريعية التي يعول عليها النظام ويتغنى بها المتحمسون للاصلاح ومن عملوا في مواقع وحكومات سابقة تحدثت عن اللامركزية.
لا احد في الاردن او خارجه يشكك في قدرات الروابدة وفهمه للبيروقراطية الاردنية وتعقيداتها.. فقد يكون الاقدر بين جميع الرؤساء على فهمها وفهم صلات السلطات ببعضها وانعكاسات تطبيقها على طبيعة الدولة ووظائفها.... الا ان المزاج العام لصناع القرار في هذا التوقيت لا يحتمل الكثير من الاختلاف والانشقاقات بين اللاعبين الرئيسيين فالبلد منشغل بقضايا الحرب واللاجئين والعلاقات الخارجية والملفات الاقتصادية والوضع في سوريا وغيرها من الاولويات التي تجعل من الملف الاصلاحي مطلبا ينبغي التسريع فيه لخلق انطباع لدى المواطنين والممولين والمراقبين بان المسيرة لم تتوقف ولغياب التهديدات التقليدية للنظام بعد اضعاف شوكة الاخوان المسلمين والحركات الاصولية.
تعيين دولة فيصل الفايز وضع حدا للجدل حول امكانية لعب الاعيان لدور الثلث المعطل للتشريعات التي ترى الدولة انها تحقق اهداف الاصلاح ويشيع اجواء من الطمأنينة لدى العديد من القوى فهو شخصية غير صدامية يسعى الى تنفيذ توجيهات الملك ولا يجازف في استنباط تأويلات ليبرهن ان له وجهة نظر غير تلك التي يراها الناس...
لقد استطاع الفايز عبر سنوات وجوده على الساحة السياسية ان يدير حوارا مع كافة القوى...فقد حرص بعد توليه رئاسة الحكومة على ان يتحاور مع كل المعارضين ومد جسور التواصل مع الاخوان وفتح استوديوهات التلفزيون لاستضافة المعارضين حيث ظهر ليث الشبيلات على برنامج حواري مع عريب الرنتاوي بعد اسابيع على تشكيله لحكومته الاولى 2003.
الروابدة كان ولا يزال وسيبقى شخصية سياسية ادارية لها وزنها وثقلها.. فهو الشخصية الاقدم التي عاصرت مسيرة الاردن عبر ما يزيد على اربعة عقود وعي خلالها عناصر قوة البلاد ونقاط ضعفها ومن الواجب تقدير اسهامات الرجل واحترام حقه في الاختلاف فنحن اشبعنا الدنيا حديثا عن التعددية والتنوع لا يقف عند تنوع الاعراق والمذاهب بل تعددية الاراء والمواقف والاجتهادات..
ما حصل على الساحة السياسية في الايام الاخيرة حدث عادي ينبغي عدم الاستغراق كثيرا في قراءته وتحليله بل الاستدلال من خلاله على ان البلاد عازمة على اجراء تعديلات تشريعية سريعة.. وان النظام لا يرى ان هناك متسعا لترف الاجتهادات في القضايا التي يراها ضرورية ومستحقة.
نتمنى للشيخ الفايز كل التوفيق في مهامه الجديدة.. والشكر مستحق للجهد الذي بذله الروابدة والاجتهادات التي قدمها خلال مسيرة طويلة من العمل والعطاء.