زوال حل الدولتين .. هل طور الأردن بديل؟
02-06-2008 03:00 AM
بشر الباحث السياسي ناثان براون في دراسة له بـ \"زوال حل الدولتين\"، وهذا الباحث المعروف صاغ رؤيته في سياق تقديم تصور عن السياسية الخارجية (المفترضة) للرئيس (الأميركي) الجديد، والدراسة على ما فيها من نظرة متشائمة لمستقبل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وضعت إطار عمل يمكن للإدارة الأميركية المقبلة الأخذ به لجعل مسألة إقامة الدولة الفلسطينية ممكنة إلى جانب \"دولة إسرائيل\".
ويعرض براون لأربع خيارات فرصها متفاوتة وإمكانية تنفيذ أي منها غير متساوية، فخياره الأول: العودة إلى حل الدولتين، والثاني: حل الدولة الواحدة، والثالث التعايش المؤقت، والرابع (الأخير) انتصار عسكري إسرائيلي.
وحرص الباحث براون أن لا يرجح خيارا على اخر، لكنه قدم شرحا مفصلا لمستقبل أي خيار ونتائجه،مع أنه خلص إلى ان خيار حل الدولتين هو الأفضل شريطة توفر جملة عناصر، غير انه بات متأكد ان \"حل الدولتين\" مسألة ليست سهلة بل معقدة نتيجة ظروف واقعية جعلته خيارا مستبعدا في المدى المنظور.
وحتى حل الدولة الواحدة الذي باتت أصوات إسرائيلية وفلسطينية محبطة تفكر فيه على قاعدة دولة بقوميتين لن يكتب له النجاح، لاعتبار موضوعي أن الدولة ثنائية القومية ستميل حكما لصالح سيطرة الطرف الإسرائيلي على حساب الطرف الفلسطيني، خصوصا وان هاجس الأمن سيظل يحكم العقلية الإسرائيلية، بمعنى أنه حل الدولة الواحدة غير عملي وغير واقعي بأي صورة من الصور ويصطدم بمشروع الدولة اليهودية التي أيدها الرئيس جورج بوش.
وبما يشبه الإسقاط من الحسابات، فإن بروان لا يجد خيار التعيش المؤقت أفضل الحلول لأنه يجمد فرص حل الصراع لصالح تعايش تخشاه كل الأطراف، إذ أن الإسرائيليون يخشون أن يكون فرصة لحركة حماس كي تطور قدراتها العسكرية، فيما تخشى حماس أن تتحول حالة التعايش من مؤقتة إلى دائمة.
اخر الخيارات الحل العسكري الذي يقضي بان تتدخل إسرائيل عسكريا في غزة لاقتلاع حماس، لكن بروان يعتقد جازما ان اللجوء إلى هذا الخيار من دون تخطيط استراتيجي قابل للنجاح لن يساعد في حل المشكلة، وهو ينبه إلى فشل الحملة العسكرية على جنوب لبنان نتيجة عدم التخطيط أدى إلى فشل سياسي.
لكن بروان الذي أسهب في تصوره حيال الخيارات، نصح الإدارة الأميركية بإحداث تغيير في سياستها إزاء الصراع ودعاها إلى : التوقف عن وضع العقبات بوجه مشاطرة السلطة بين الفلسطينيين، والسعي إلى وقف واقعي لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وعدم التشدد في التعاطي مع موضوع حماس، والتوقف عن إضفاء الصفة الشخصية على فلسطين (أي عدم تأييد فصيل على حساب اخر)، والاهتمام بإصلاح حركة فتح، وإحياء قدرة الفلسطينيين على الاختيار.
المقدمة الطويلة السابقة عن دارسة لباحث صوته مسموع في الأوساط الأميركية وغير الأميركية تستدعي سؤالا جوهريا عن الخيارات الأردنية لمواجهة مأزق فشل حل الدوليين، وهل طور الأردن استراتيجية واقعية للتعامل مع تداعيات ممكنة لفشل الحل واحتمال اللجوء، إسرائيليا، إلى \"الخيار الأردني\".
من الناحية الواقعية لا يمكن الجزم بوجود خيارات واضحة، مثلما لا يمكن الجزم بعكسها، لكن من القراءة الأولية يبدو ان الخيارات ملتبسة ولا تحمل وضوحا كافيا يمكن الركون إليه عند محاولة تحليل المشهد والتنبؤ بالمستقبل.
وقناعتي ان تخلي الإدارة الأميركية عن إقامة الدولة الفلسطينية، ولو مؤقتا، شكل صدمة لقوى الاعتدال في المنطقة، وتكاد الصدمة تكون مضاعفة للأردن الذي راهن إلى اللحظة الأخيرة على تدخل أميركي ينهي الصراع لكن الرياح جاءت بعكس اتجاه السفن.
ويبدو من ذلك ان قوى الاعتدال، بما فيها الأردن، التي وجدت نفسها تحت تأثير الصدمة لم تتمكن بعد من تطوير استراتيجية حقيقية لتجاوز التداعيات المحتملة، رغم أنها لا زالت تضغط بكل قوتها لصالح حل الدولتين باعتباره المخرج من المأزق الخطير.
التعلق بحبال إقامة الدولة الفلسطينية، مسألة تشبه الرهان على المستحيل في عهدة الإدارة الأمريكية الحالية، ولا يبدو ان الإدارة المقبلة ستكون مستعدة في غضون السنة المقبلة لتطور استراتيجية حل، ما يعني ان الأردن بحاجة لخيارات محددة للتعامل مع أي تطور وهذا ممكن من خلال استدارة حقيقية إلى العمق العربي لخلق شراكة عربية لمواجهة الاستحقاق.
ويجب ان نأخذ بالاعتبار ما يجري من تحول بوصلة إسرائيل إلى حل مسألة الجولان السوري وهو بالضرورة سيكون على حساب القضية الفلسطينية بصيغة من الصيغ.
الخلاصة: اننا بحاجة لعمل يمكننا من الإمساك بخيوط اللعبة قبل ان تفلت من بين أيدينا ونصبح على ما فعلنا نادمين.