عمون - الذكرى السابعة عشر ..للمرحوم ( حسين جعيتم )
في تشرين ، يتجدّد الجرح الذي لا يندمل ، ويتفشّى الوجع حتى آخر مسامة في القلب ، حين تمرّ ذكرى الغيابِ المفجع والألم العصيّ على النسيان رغم تعرّجات الحياة التي لا تنتهي مساراتها كجهاز تخطيط قلب قديم توقّفتْ في أوصاله نبضات الكثيرين
في تشرين ، نحنُ على موعدٍ مع الوجع ، وجعُ غيابكَ يا أبي .
تمضي الأيّام وأنتَ كما أنتْ ، لكانَّكَ اليومَ رحلتْ ، وجهكَ لم يزل ماثِلا أمامي .. صافيا كطُهرِ الماء .. لامعاً كسبائك ذهب .. باسما كدُعائك لي .
تمضي الأيّامُ وأنتَ كما أنتْ ، لكانَّكَ اليوم رحلتْ ، دمعةٌ حرّى نزلتْ من إحدى عينيك لسان حالها يقول : فليسامحني من قصّرتُ معه .
أوَقصّرتَ مع أحدٍ أبي ؟!
أيستطيع قلبكَ الطيّب أن يقسو على أحد !!
للخلقِ ما للخلقِ أمّا أنا فأُشهِدُ ربّ العرش أنّكَ ما قصّرتَ معي ، كنتَ أبًا كما يليقُ بالأبُوَّةِ أن تكون .
آهٍ أيّها الوجع المحمومُ في أوصال الروح إذ تنتفضُ لحظة الفقد .. ماذا تراني أقول في ذكرى رحيلك ؟!
بماذا عساها تتزيّنُ الكلمات ؟
كيف أُموسِقُها على هيئة احتياجي لكَ ومحبّتي واشتياقي ؟!
أعلمُ أنّكَ لا تحبُّ المراثي ولا تحتفي بالحزنِ كسائر البشر .. فالكتبُ التي نثرتها على جدران الغرف تشهد كم كنت تحبّ الفرح وتبعثُ الأمل وتحيي الحياة من رقاد .
لكنّي أريدك أن تفرح بكلماتي كما كنتَ تفرحُ بها حيا .. أريدك أن تضمّد جرح اشياقي وتحنو عليه بكفّك الطاهر..
أريدك أن تعرف أن الفصول كلها مذ غبت صارت في عينيَّ خريفا .. ما عادتْ تزهرُ الأشجار ، تجمّدتْ الحياةُ في أوراقها
وحدها شجرة البلوط يا أبي
لم تسقط عنها الأوراقُ ولم يجفّ عطر صمودها
تأبى أن تموتَ إلّا واقفة.. ضاحكة .. مِثلُكَ يا أبي
وأنا إذ أنتسبُ فأنتسبُ إليك .. إليكَ يا أبي .. يا شجرة البلوط..
أنت التربة يا أبي .. ولك كلّ البذور
أنتَ الماءُ في الجدول .. ولك الدرب والسبيل
أنت المطر ولك كل الغيم في المنفى
منفانا غيابك يا أبي .. ووطننا أنت
أيّها الغائب الحاضر
تاهتْ عيناي تبحثُ عن أشياء تُشبِهُ قلبك
يا دمع تشرين
يا بوصلة الليل ويا نايَ القصيدة
أنت الضحكة التي تفتح مقامات الموسيقى
يا طائر الفرح المهاجر للغياب
أنتَ الشروق إذ يختفي بزيّ غروب
أنت النعيمُ المختصر .. يا عافية القلب
أنتَ ألفُ الابتداء
وأنت النقطة في آخر السطر .
عليك رحمة الله تترى حتى يورثك الفردوس الأعلى
ريما حسين جعيتم