الاردن و الاقصى و الحاملين من الأمانة ثقلها
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
24-10-2015 04:47 AM
الماضي يوضح الحاضر و يحدد طرق التعاطي مع المستقبل, لذا لا بد للحديث بموضوع علاقة الاردن بالقدس من عودة للماضي. ملخص الحكاية ان المشروع الصهيوني في فلسطين قديم و اصبح جليا للشعوب العربيه بعد وعد بلفور و كانت توصيات مؤتمر ام قيس 1919 مؤشرا على الاحساس الشعبي بخطر المشروع. تبع ذلك لقاء الوسطيه ثم مؤتمر قم و الذي تم تتويجه بمهاجمة المستوطنات الصهيونيه في معركة تل الثعالب.
ما ان وضعت الحرب العالميه الثانيه اوزارها حتى شرعت الدول العظمى بتنفيذ المشروع و الذي كان حاصل على توافق و حماس من كل الدول المؤثره في حينه من الولايات المتحده الى روسيا الى بريطانيا الى فرنسا و تم طرحه من خلال قرار التقسيم و هنا حدث الصدام عربيا بين الحلم و الحقيقه فالحلم العربي و الفلسطيني بان تكون فلسطين حره من البحر الى النهر دولة عربيه مستقله و هو الحق و العدل و لكن الواقع ان الدول العظمي التي اجهزت على دول المحور مصره و متحمسه بحد ادنى للتقسيم و لا تمانع حصول اليهود على فلسطين كامله ان سمحت الظروف. تعامل الملك عبدالله الاول بنظره واقعيه عميقه كرجل دوله يحصل على الممكن و تخلق الايام اوضاعا جديده خصوصا عندما رأى ان الدول العربيه لم تعد اي شئ لمجابهة المشروع سوى حماسة الشعوب العزل و شعارات القيادات المنغمسه في حساباتها الضيقه.
رفض العرب التقسيم و حدثت حرب ال48 و التي اثبت ان الدول العربيه لم تعد شئ لها و لم تكن المشاركه كما يجب خصوصا مع وجود 65 الف صهيوني عصابات مسلحه بعضها شارك في حروب الغرب. الجيش الوحيد الذي كان معد و قوي رغم ضعف العدد كان الجيش الاردني بتعداد حوالي 4 الاف و استطاع الاحتفاظ بالضفه و القدس بعد معارك طاحنه و كان بامكانه تحقيق المزيد لو كان هنالك مسانده عربيه حقيقيه بعيدا عن الشعارات و الاوهام و القاء التهم و خلق القصص و الملاحم الافتراضيه.
تسيد اليسار العربي المشهد في السنوات التي تلت و باع للناس اوهاما و شعارات دون عمل أو اعداد حقيقي و استغل القضيه الفلسطينيه للتهجم على خصومه و شيطنتهم امام الشعوب المتحمسه المخلصه الجاهله و كان نصيب الاردن و السعوديه الاوفر من الاساءات و التخوين. و توج فشله بدخول معركة لم يعد لها على الاطلاق لتكون اكبر كارثه حلت بالامه و هي حرب او مهزلة 67 و التي ليست فقط اهمل فيها الاستعداد بل و الفهم للعدو و أهدافه و ظنت القيادات اليساريه انها تدخل معركة سياسيه و صمت الاذان عن كل النصائح و المعلومات الاستخباريه و التي حددت موعد و ساعة الضربه و اخرها كان اشارة عجلون عند انطلاق العدوان.
كان الاردن كغيره من كل الواعيين على قناعة بالنتيجه الكارثيه و اضطر دخول الحرب كأخف الضررين فهو سيحمل نتيجة الفشل ان لم يدخل كما ان الصهاينه لن يبقوا عليه عندما تسقط الجيوش العربيه ناهيك عن انفجار الوضع الداخلي المتحمس و الذي نفخته شعارات صوت العرب و القاهر و الظافر و الذي ظن ان النصر ليس الا ساعات.
تبع الخساره العربيه الثقيله مؤتمر الخرطوم و التي انتهت بالمطالبه بحدود 67 اي انها عادت لواقع التقسيم و لم تحصل عليه الى يومنا هذا. طبعا مع تجميل البيان بلاءات او كذبات الخرطوم الثلاث التي نقضها نفس البيان. مع ذلك تحمل الاردن الاساءات و الكذب و الخذلان من الاشقاء الذين نسجوا الفشل و ارادوا القائه على غيرهم.
ثم كانت معركة الكرامة التي حمى فيها الجيش الاردني ما سمي في حينه "المقاومة" على الحدود لتنقلب و تسيء للاردن في كل محفل لدرجة اتهام الجيش بعدم القتال و هذه هي خيانة الخندق و تنقلب تلك العصابات بدعم انظمة الفشل لتحتل عمان و تذيق الناس الامرين و تتوج ذلك بالانقلاب على السلطه و الرغبه في الحكم اي ان الاردن الذي استقبل هؤلاء و اكرمهم و دعمهم جازوه بالنكران و الجحود و اضطر الجيش الاردني لوضع حد لهذه المهزله و المغامرات الصبيانيه.
و رغم قناعتي ان هذه المرحله لم تعالج اعلاميا بشكل سليم و ترفعت الدوله الاردنيه عن المماحكات و الاساءات و تركت للبعض التمادي لدرجة اعتبارها اعتداءا عليه و لا ارى لها شبيها سوى عائله تكرم عائله اخرى و تشاركها بعض مسكنها و اكلها و شربها ثم ينقلب بعض افراد العائله القادمه تريد الاستيلاء على بيت مملوك مسكون و طرد اهله منه ثم عندما يوضع حد للمتمادين يعاب على العائله الاصليه انها لم تترك بيتها و تنام في العراء.
ترفعت الدوله الاردنيه و قيادتها و كظمت غيظها و احتوت الجميع بالتسامح و الاخلاق العربيه و احتملت الاهانه و الاساءه من الصديق و القريب و العدو و المخادع و التاجر. و لكن ديدن اللئيم الغدر و سحبت الارصده في فتره صعبه على الاردن و تعرضت البلد لاخطر وضع اقتصادي هدد وجودها خصوصا مع تخلي من كان يعتقد بانهم اشقاء و حلفاء و لكن الاردن استمر و تماسك. ثم كانت اوسلو التي لم يستشر فيها الاردن و في وقت تخلى فيه معظم الاشقاء الاغنياء عن دعم الاردن ماليا و اضعفوا موقفه السياسي و جهزوه لقمة سايغه للاعداء (او هكذا ظنوا) و اما الاشقاء الذين يشاركون الاردن العوز الاقتصادي فارادوه ورقة تفاوضيه لهم و ليس قطر شقيق له حقوق و مصالح. دفع الاردن دفعا الى وادي عربه مع الكيان الصهيوني للحفاظ على الدوله التي اصبحت ترزح تحت ظروف اقتصاديه صعبه و وضع سياسي ضعيف و هرولة الاشقاء للحلول المنفرده التي ستترك الاردن وحيدا محطما. من يتحمل اضطرار الاردن لوادي عربه هم من وقعوا اوسلو بدون تنسيق و من توانوا عن دعم الاردن ماليا للحفاظ على الامن الداخلي و تقوية الموقف السياسي و من ارادوا الاردن ورقة تفاوضيه و لم يقدروه بقدره.
تراكم الخبرات مع تجار الشعارات و الاشقاء و دماء الجنود الاردنيين التي روت القدس في باب الواد و اللطرون و فهمه العميق لتفكير العدو الذي بنى دولته على اغتصاب الحقوق بدعم الدول العظمى و الكبرى و بتخاذل و سوء الاعداد من الانظمه و الجماعات (الثوريه) وضع الاردن امام مسؤولية اخلاقيه بالوصاية على المقدسات. تلك الوصاية التي يجب ان يتحملها الفلسطينين بصمودهم و بقائهم على كل شبر في القدس و الداخل و العرب بتقديم كل دعم لفلسطينيي الداخل و الدول الاسلاميه بالدعم السياسي. و ليس ان تكون المقدسات ايقونه و شعارات لمن يريد اخذ دور سياسي اكبر و مكاسب اقليميه و دوليه و هو لم يقدم نقطة دم واحده.
الوصاية مكلفة للاردن سياسيا و شعبيا خصوصا بوجود التيار الذي يريد اعادة عجلة اليسار لخداع الشعوب مرة اخرى و المتاجره بالقضية لكسب شعبيه او مناكفة حكومه او حشر الدوله في الزاويه او وضع المؤسسات الامنيه الوطنيه في مواجهه مع الشعب. الاردن خياراته محدوده و غير قادر على دخول حرب في غياب العمق العربي و انتشار الفوضى في العراق و سوريا و انكفاء مصر على مشاكلها الكبرى و غياب الدعم الاقتصادي من الاشقاء الذين يريدون مقايضة المال بالسياسه حتى لو كان على حساب استقرار الاردن و امنه.
ما يستطيع الاردن عمله هو المواجهه السياسيه و ان استنفذها مبكرا بطرد سفير الكيان الصهيوني خرج من القدره على التأثير على الغرب و الذي وحده القادر على التأثير على الصهاينه.
الخص و اقول ان الوصاية الاردنيه هي مصلحة للقضيه الفلسطينيه و كلفتها على الاردن عاليه و ان اضطرت الاردن للتخلي عنها سيضيع الاقصى بين الباحثين عن ادوار و مكاسب ناهيك عن الباحثين عن الفتنه و الخراب و الذين يسبون فاتح القدس عمر بن الخطاب ليل نهار ثم يدعون رغبتهم بالتحرير فمن يقتل اطفال سوريا لن يحترم دماء الفلسطينيين.
كما الخص و اقول ان خيارات الاردن محدوده في ظل الوضع الراهن و يحتاج لدعم الشعوب و التيارات و الافراد و ليس لاستعراضات اعلاميه و استفزاز لاجهزته الامنيه و مناكفات كاذبة تريد استغلال العواطف و الحماس الشعبي للانتقام و تحقيق مكاسب.
كما الخص و اقول ان فلسطينيين الداخل عامة و المقدسيين خاصة يحتاجون لكل دعم مالي و سياسي و معنوي فكل متر يخليه احد منهم يسكنه مستوطن بغيظ و اضيف بانهم يحتاجون الى تجمع الشعوب حولهم و ليس الى تفريقها بالمناكفات و المزايدات و الشعارات الكاذبه.
دام الاردن سندا لاشقائه و دام ابو الحسين عميدا و عمودا للبيت الاردني و العربي و دام النشامى في الاجهزة الامنيه و الجيش عيون لا تنام و سياجا للاردن و امنه و عزه.
د. هيثم العقيلي المقابله- جامعة العلوم و التكنولوجيا