أمّا في مالطا، فقد سمعتُ أنَّ هناك قانوناً يُجرِّمُ الإساءة للطعام، إذا كان مُقدّساً لدى الأفراد. ومعناه أنه لا يجوزُ ازدراءُ وجبةٍ شعبيةٍ، إذا كانت تمثّلُ قيمةً لدى فئاتٍ اجتماعيةٍ معينة، لأنّ ذلك يُعتبرُ إهانة للمشاعر الغذائية، وهذه لها بعدٌ روحيٌّ، مثلما هو الحال عندما تسخرُ من الهندوس، لأنهم لا يأكلون لحم البقر، أو من طائفةٍ واسعةٍ من الهنود النباتيين.
أعجبني ذلك، بغضّ النظر عن صحّة المعلومة. فلو كنتُ مواطناً يعيشُ في مالطا، فستكونُ لديّ الفرصة الكاملة لمقاضاة مجموعة من صديقاتي وأصدقائي على صفحة فيس بوك ، بسبب ما كتبوه في الأيام الماضية من إساءاتٍ عميقةٍ للفلافل. خصوصا أنهنّ وأنهم يعرفون جيداً قدسيةَ الفلافل عندي، فأنا أكتبُ متغزِّلاً بتفرُّدِ نكهتها، وبحمّصها وبكمّونها وبقرمشتها التي لا تُضاهى.
مجازياً، يُعتبرُ ذلك "ازدراءً للفلافل" و"إهانةً للمشاعر الغذائية" لي شخصياً. كلّ في الأمر أنني أحتاجُ إلى محامٍ محترفٍ، يتقدّم بدعوى في مالطا، وبسبب أن المُشتكى عليهم يعيشون خارج الجزيرة، فستظلُّ القضية مُعلّقة إلى أن يحاولُ أي منهم/ منهنّ السفر، فيُلقى القبض عليه/ عليها عند أي مدخل بحريّ، أو مطار، ليُعرضَ على القضاء المالطي، ثم "ينالُ جزاءه العادل".
لديّ كتاباتٌ موثقةٌ، فهناك من اعتبرَ الفلافلَ مجرَّدَ مُقبّلات، وآخرُ اتهمها بتدمير القولون، وأخرى تطالبُ بإضافة السمّاقِ والبصلِ إليها، ولا أنسى اللواتي شتمنَ الفلافل، ولا الذين استخدموها في سياق نكتة، غير آبهاتٍ، ولا آبهين لاهانة الشعور الغذائي لرجلٍ يكتبُ مقالات عن هذه الوجبة المدهشة.
قد أتطرّف أيضاً في القضية. وأعتبرُ أنّ ازدراءَ الفلافل ينطوي على مشاعر طائفية تجاه الكنيسة القبطية الارثوذكسية، وأطالبُ البابا تواضروس الثاني بالشهادة أمام المحكمة المالطية، ذلك أنَّ الأقباط هم الذين اخترعوا الفلافل (الطعميّة) بوصفها وجبة نباتية تناسبُ الصومَ المسيحيَّ، أي أنّ للفلافل أبعاداً لا تخطرُ في بال الذين يتهمونها بإثارةِ القولون، وحموضة المعدة.
من حُسن حظّكم أنكم لا تعيشون في مالطا، لأنكم ستكونون أهدافاً لكل مطعمِ فلافل، ولكلّ صاجٍ يغلي فيه الزيتُ منذ قرون..