الهذيان في إسرائيل يتحول إلى تشريع، بهذه الكلمات الموجزة يصف النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة، «الحالة الإسرائيلية» اليوم، عودة بالمناسبة حرمه نتنياهو بالأمس من حضور جلسة ضمن رؤساء أحزاب المعارضة لوضعهم في صورة الأحداث، ويوميات انتفاضة السكاكين، باعتباره جسما غريبا ونائبا معاديا، هذا جزء من الهذيان الصهيوني، الذي سيقود هذا الكيان المحتل إلى حتفه!
إسرائيل تهذي على غير صعيد، منذ عقود تصرخ آلتها الإعلامية أن القدس عاصمتها الأبدية، ولن تقسم، واليوم تقسمها هي بنفسها، عبر وضع كتل إسمنتية وجدران (تزعم أنها حواجز عسكرية متحركة!) تفصل بين شرق وغرب المدينة، وتعزل الأحياء العربية بالمزيد من الإجراءات، القدس التي تنام وتصحو على العمليات الفدائية، مقسمة اعترف الهاذون أم لا!
في تفسير محلليها وأصحاب الرأي العسكري فيها، لموجة ما يسمونه «الإرهاب الفلسطيني!» (ويسميه بعضهم «انتفاضة») يصرون أن اليأس وانسداد الأفق السياسي، وتوقف المفاوضات هو سبب ثورة الفلسطيني، قلة منهم يعترف أن السبب هو الاحتلال، بكل قذارته ووحشيته وعفنه، ولا سبيل لوقف الغضب الفلسطيني سوى الحرية، والتمتع ككل شعوب العالم بالاستقلال، هم يعرفون، ولا يريدون أن يعترفوا، ولكن حالة الهذيان التي تتلبسهم تمنعهم من التصريح!
لم يقدم «زعيم» فلسطيني لهم خدمات كما فعل رئيس «الشرعية الفلسطينية» لقد اشعل لهم أصابعه العشرة، وأقسم غير مرة أنه لن يسمح بقيام انتفاضة ما دام جالسا على كرسي «الرئاسة» وقد صدق الرجل، وبذل ما يستطيع هو وأجهزته الأمنية كل ما يمكن لمنع قيام الانتفاضة، وظل يردد ليل نهار أنه ضد العنف والكفاح المسلح، ووعد باجتثاث كل عناصر «الشغب!» الفلسطيني، فملأ سجون السلطة بمعتقلي حماس والجهاد، وحتى كل من تمرد على نهجه من فتح، ومع هذا، لم يعد عباس شريكا لصنع «السلام!» هكذا أخرجوه من دائرة الرضا، لأنهم أرادوه أن يكون يهوديا، بل صهيونيا، أكثر من اليهود أنفسهم، منتهى الهذيان، بالمناسبة، هم لن يحظوا الآن
بأي أبي مازن آخر يشبهه، وسيرددون مستقبلا: أضعناه وأي فتى أضعنا!
فور اندلاع الانتفاضة الثالثة، هُرع زعماء إسرائيل لحلفائهم العرب العاربة والعجم للجم الشباب الفلسطيني، (ومرة أخرى وحتى بعد أن صنفوه ككاذب كبير، لجأوا لعباس) نقول هُرعوا طالبين من هؤلاء وأولئك التدخل لوقف «تدهور الأوضاع!» وهم يعرفون قبل غيرهم، أن شباب فلسطين، وفتيتها، لم يأخذوا إذنا للتعبير عن غضبهم من
أحد، وبالتالي فلا «ولي أمر» لهم يستمعون لكلامه، أو يصرخ بهم ليهدأوا، قمة الهذيان!
يريد نتنياهو من شباب فلسطين أن يلوذوا بالهدوء، ويسرب لمرافقيه أنه لن يقترح في لقائه المرتقب مع وزير الخارجية الأمريكي كيري أي حلول، لوقف الانتفاضة، لأنه ممنوع في العرف الصهيوني، جباية ثمن أو ثمار لـ «الإرهاب الفلسطيني» حسنا، «خلوا كيري ينفعكم»، كما نفعكم من قبل رئيس «الشرعية» الفسطينية، وحلفاؤكم من عرب وعجم!
للذكرى، بعد الانتفاضة الأولى، وقع رابين على اتفاقية أوسلو، وعُدت في حينه –ولو من وجهة نظر اليهود- نوعاً من جباية الثمن للنضال الفلسطيني، ونال مقابلها رابين رصاصة في الرأس، وبعد الانتفاضة الثانية سحب شارون جنوده من غزة وأنفه راغم، وحتى حرب أكتوبر، وهي نصف نصر، جبى السادات جراءها انسحابا إسرائيليا من سيناء، وهدم مستعمرة ياميت، ولم يزل الهاذون في إسرائيل يرددون: سننتصر على «الإرهاب الفلسطيني» وهم يعرفون قبل غيرهم، أنهم يواجهون اليوم الجيل الثالث من النكبة، الذين راهنوا على نسيانه لوطنه، ومن أجل أن تصحو إسرائيل من هذيانها، جاء مهند العقبي العشريني، من أبناء قرية الحورة، في بئر السبع (عاصمة إسرائيل الاقتصادية!) ليذكّرهم بفداحة هذيانهم، واستحالة أن ينعموا بأمن ووطن سلبوه من أصحابه الأصليين!
الدستور