يُقال في العبرة"الاتعاظُ والاعتبار بما مضى", ويُقال في القدوة "مَنْ يكون إسوة ويُقتدى به ويتخذه الناس مثلاً في حياتهم".
تتميز حياة الإنسان بأنه يَمُر بظروف وضغوطات كثيرة خلال حياته فيتأثر بها إما سلباً أو إيجاباً, والإنسان الذي يتميز بفكرٍ راقٍ وعمل شريفٍ وخُلقٍ يسمو به عن كل التفاهات والسطحيات والابتذال في السلوك ,لا يمكن لشخص بمثل هذه الصفات ان تجعل منه الظروف إنسانا سلبياً ,بل نجده محافظاً على قيمه وأخلاقه مواجها الضعف بقوة ,متحدياً الظروف القاسيه من حوله، محارباً الخلل الإجتماعي من حوله ,باحثاً عن نماذج اجتماعية إيجابية لتكون قريبة منه يحتك بها لتقويه وتدعمه في مسيرة حياته متمسكاً بقيم ومبادئ نبيلة تجعل منه قدوةً للآخرين، فنجده إنساناً بعيداً كل البعد عن الأنانية في تحقيق مصالحه الشخصية، صادقاً مع الناس ,متفاهماً معهم بإحترام ومحبة، يعكس مشاعر إيجابية تجاه أهله وأصدقائه وجميع الناس من حوله, لا يبيع قيمه وأخلاقه ليسقُط من أول وهلة لأجل مصالحه، فينقلب على من حوله، حاقداً عليهم, فاتحاً أذنيه للمغرضين والمغرضات الذين يقلبون قيمه ومبادئه، تجده يحترم ذاته وسنَهُ ومركزه,يحترم خصوصية الآخرين غير متعد عليها، متصدياً لكل من يحاول أن يصطاد في الماء العكر ,متعاملاً بهدوء ورقي وذوق مع من يرشده الى السلوك السليم ,متسامحاً واضعاً حُسنَ الظن والنية في أولويات حياته ,غير مستسلم لأخلاق لا تنعكس من الدين الحنيف.
أمثال هؤلاء، لا يمكن للأيام إلا أن تصنع منهم قدوةً للآخرين ,فيجدون المديح من الناس والإحترام الكبير ,ولا يصلون الى مرحلة أن يتشاور عليهم الآخرين بسوء أو يتلسنون عليهم وعلى أخلاقهم وأفعالهم وسلوكهم ألا أذا وضعوا أنفسهم بمواقف تؤكد للآخرين أنهم لا يستحقون أن يكونوا قدوة للغير,والناس ليسوا بأغبياء ,وكل صغيرة وكبيرة تلفت النظر ,وكل كلمة لها معناها عند الناس,فالأبيض أبيض,والأسود أسود,وكل سلوك محسوب على الفرد وله معانيه ,فقد يظن الشخص أنه لا يفعل سوءٍ وعند الآخرين غير ذلك,,لأنه لا يرى نفسه كما يراه الغير,فالتمادي في بعض السلوكيات ليس لها إلا عنوان واحد "الأصرار على السقوط".
وهنا نتحدث عن القدوة التي إنقلبت لتتحول الى قدوة سيئه فلا يمكن لأي منا أن ننصح شخصاً في البقاء في بؤرة السقوط والمذلة.
كم جميل أن نقتدي بأشخاص يحملون صفات الطهارة والنقاء,الأدب والأخلاق ,الرقي والسمو في التعامل مع الآخرين.
لكن للأسف ,كم من شخصٍ تعرض لخديعة من صوروا أنفسهم بهذه الصفات وبأنهم القدوة في كل المسلكيات وسرعان ما كشفتهم الأيام بأفعالهم التي تنفي عنهم أن يكونوا قدوة للغير، وصدق الله العلي القدير في كتابه المبين"﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
والحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن الأيام إما أن تصنع من الانسان قدوة أو عبرة للآخرين, فتجاربه ومحاولاته وضعفه وقوته ,إن لم يرتقٍ بها خطوة خطوة بحيث ينعكس ذلك الرقي على سيرته وأهله وأصدقائه وسلوكه ,نراها ونتأثر بها عملياً وواقعياً بشكل لا تخدعنا فيه هالاتهم ولا خيالاتهم في أفعالهم وأقوالهم ,لا يمكن للأيام أن تصنع منهم قدوة حسنة للغير طالما نصبوا أنفسهم في مواقع الشر ولم يترفعوا عن مواقع الشبهات التي تحيط بهم ,فهؤلاء وبأعمالهم الرديئه والسيئه ونواياهم الدنيئه والتي تنقلب عليهم حسرات وندم فيعيشوا خُسراناً كبيراً ويبتليهم الله في أجسادهم وأموالهم وسمعتهم التي لا يمكن للأيام أن تعوضها عليهم لأنهم يفقدون ثقة الآخرين بهم فهزيمتهم ومعاناتهم أكبر من أن تصنع الايام منهم قدوة بل لا يكونوا الا عبرة للغير ,فموتهم وهم أحياء لأكبر عقاب من موتهم الحقيقي ومواراتهم الثرى.
يقول أفلاطون"كفى بالتجار تأديبا , وبتقلب الأيام عظة",,"ومن لم يعتبر بالتجارب، أوقعه الله بالمهالك".