ربما كانت فلسطين هي المكان النموذجي لاستنبات ربيع فلسطيني مثمر أكثر من أي مكان عربي آخر، وذلك بسبب وجود عامل الثورة المشروع في كل قوانين الأرض والسماء، حيث لا خلاف بين كل العقلاء على مشروعية مقاومة الاحتلال الاستيطاني المجرم الذي يفوق كل أنواع الاحتلال التي عرفها البشر شراسة وقسوة وإيغالاً في العدوان الآثم، لأنه يقوم بفكرته الجوهرية على طرد شعب وإحلال شعب جديد مكانه بكل صلف وبجاحة ما عرفها التاريخ البشري.
أما العامل الأكثر أهمية في أحقية التفجير الشعبي الفلسطيني هو وصول الشعب الفلسطيني إلى فهم يقيني صارم لا يحتمل أي ذرة شك بأن الاحتلال الصهيوني يستخدم أقاويل السلام ومسار المفاوضات نحو غاية واحدة مؤكدة تتمثل (بكسب الوقت)، الوقت فقط من أجل قضم الأرض، عبر الاستيطان المحموم من خلال البحث عن المهاجرين المستوطنين اليهود القادرين على تعبئة المكان، ومن أجل إكمال مسار التهويد المتدرج للقدس والمقدسات الإسلامية والضفة الغربية على وجه الإجمال، وهضبة الجولان بعد ذلك.
الشعب الفلسطيني يملك كل مقومات الثورة المتفجرة، بعد مضي (67) سنة على احتلال الجزء الأول من فلسطين، وبعد مرور نصف قرن على احتلال الجزء الباقي، وبعد مرور ربع قرن على «أوسلو» ومسار المفاوضات المقدس والتنسيق الأمني، مما يؤدي حتماً إلى خلق جيل يكفر بكل المسارات السلمية، ويضع حدا لقدسية المفاوضات، وينطلق للبحث عن مستقبل آخر، لا يستطيع تحمل المزيد من الإذلال والمهانة والكبت، والاعتداء على الحرمات، والنساء والرجال والأطفال، وجيل جديد يمل الانتظار على قارعة الشعارات الكبيرة، ويمل تكرار التجارب المتشابهة التي تؤدي إلى نهايات متشابهة.
المرحلة الجديدة تقتضي النظر إلى الذات أولاً، وعقد حوارات داخلية جريئة من أجل البحث عن إجابات قاطعة لا تحتمل ضياع المزيد من السنين والأعمار على مقصلة الاستثمار بالدماء والأشلاء الضائعة، وينبغي أن تفضي الحوارات إلى إيجاد شكل مختلف، وإحداث تقاعدات مبكرة وإحالات على الاستيداع بعد استكمال الفرص.
المرحلة الجديدة تقتضي إعادة التوازن بين المسار السياسي ومسار المقاومة، حيث يفرض العقل والمنطق أن تكون الجهود متوجهة نحو تعظيم خط المقاومة المستمرة، وأن تكون وظيفة السياسيين تأمين المقاومة وإنجاحها، وتوصيل صوتها إلى العالم، وتأمين أكبر قدر من التأييد الدولي حول مشروع الاستقلال الفلسطيني، لأننا أصبحنا نشاهد أن المسألة معكوسة، حيث أصبحت المقاومة في خدمة السياسيين، وتسير بشكل متقطع على طريق الاستثناء والتباطؤ والأفق المغلق، والمستقبل الغامض.
مرحلة ما قبل التحرير هي مرحلة المقاومة، والقيادة السياسية هي القادرة على تحقيق النجاح في مسار الانجازات العسكرية على الأرض، ولذلك كنا نشاهد أن قادة (إسرائيل) في مراحلها الأولى كانوا من القيادات العسكرية وقيادات الجيش، باستثناء بعض الشخصيات القليلة، لأنها كانت عبارة عن ثكنة جيش وترسانة عسكرية تستجمع كل قوى المواجهة من أجل امتلاك القدرة على التفوق على كل الجبهات العربية المحيطة، ولذلك من الطبيعي أن تكون القيادة السياسية منبثقة من رحم المقاومة والتكتيك العسكري.
بعد التحرير تنقلب المعادلة، وتصبح القيادة السياسية هي القيادة العليا القادرة على إدارة المرحلة الجديدة القائمة على بناء العلاقات والصداقات مع دول العالم وشعوبه، والشيء الآخر الذي يستحق الوقوف أن كل الجهود السياسية التي تبذلها القيادات الفلسطينية أصبحت هباءً منثوراً في ظل التغيرات السياسية التي شهدتها الأحداث الإقليمية الأخيرة، حيث أصبحت من ضروب العبث ومضيعة الوقت وتبديد الجهد، والعيش على أطلال الذكريات.
الجيل الجديد يحتاج إلى انتفاضة داخلية أولاً، تستطيع أن تعيد وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة القيادة والبرنامج، ومنبثقة من تمثيل صحيح وحقيقي لكل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، مع امتلاك القدرة على طرح مشروع واضح المعالم وواضح المآلات، وقادر على إيجاد الإجابات المشروعة على كل التساؤلات المطروحة.
الدستور
- See more at: http://www.addustour.com/17738/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A.html#sthash.f14fNvei.dpuf