يُعجبني في العراقيين، من بين ما يُعجبني فيهم، أنهم يخجلون على بلادهم، حين يغتربون. لا يذكرون عيوبها وأمراضها، ولكل بلاد عيوبٌ وأمراض.
إذا سألتَ عراقياً مُغترباً عن الأزمة السُنيّة الشيعية، سيقول لك "لا عيني ماكو مشكلة. كلنا اخوان". يستوي في ذلك إذا كان محدِّثكَ سُنياً أو شيعياً. بعضهم ينفي الأمرَ تماماً، وهناكَ من يحرصُ على أن يؤكدَ لك أنّ القضية تتعلق بـ"جهلة من الطرفين، أما في العموم، فالأمور بخير". أحدهم قال لي إن "المشكلات تحدثُ أحياناً لأسباب عشائرية، وليس مذهبية، كما هو الحال عندكم في الأردن".
أتحدَّثُ عن تجربة شخصية. قد لا تكون عامة في أمكنة أخرى. فقد زاملتُ وصادقتُ وجاورتُ عراقيين وعراقيات، شيعةً وسنّةً وأكراداً. بينهم قاسمٌ مشترك كما لو كان اتفاقاً غَيْرَ مكتوبٍ. هم جميعاً يتجنبون الخوضَ في الحديث عن الأزمة المذهبية. منهم من يُنكرها تماماً، ومنهم من يقلل من شأنها، ودائماً يتحدثُ العراقيُّ بخجلٍ وحرجٍ عن هذا الشأن إذا كان مُضطراً فقط. ويظلُّ التعبير المُتفق عليه "ماكو مشكلة"..
أمّا إذا كان المنتخبُ العراقيُّ يلعبُ مباراةً، فلا يمكن أن ترى شعباً عاطفياً يغضبُ ويبكي مثل العراقيين عند فوز أو خسارة. كلُّ خلافٍ مهما كان، لا معنى له، عندما يُسجّل يونس محمود هدفاً رائعا في مرمى أي خصم.
صحيح أن إنكار الأزمات لا يحلها. والعراقيّ يعرفُ بأنها أزمة فعلا، لكنه يرى أنه من غير المناسب أن يتحدث عنها أمام الآخرين، فيجرح بلاده.
تعلمتُ من العراقيين، ففي الأشهر الماضية، سألني صديقٌ عراقيٌّ عن وجود مشكلة طائفية في الإردن، بعد خطاب الكراهية الذي بثه أمجد قورشة ضدّ الأردنيين المسيحيين، والصديقُ يتابعُ صفحتي على الفيسبوك والقضية المرفوعة عليَّ من قورشة. نظرتُ إليه مبتسماً، وقلتُ: لا عيني ماكو مشكلة.. كلنا اخوان.