ما من مكان جميل في هذه الدنيا، كما المدينة المنورة، وهي حقا منورة، والذين يحجون ويعتمرون، يشعرون ان هناك فرقاً ما بين مكة والمدينة المنورة.
الفرق عند الصوفية يتم تلخيصه بكلام محدود، اذ يقال ان حال مكة حال جلال، اي هيبة، فتتجلى الهيبة الالهية على مكة، فيما حال المدينة المنورة حال جمال، اي ان الجمال الالهي يتجلى على المدينة المنورة، اكثر، وما بين الجلال والجمال، يشعر الزوار بالفرق.
في تفسير اخر فان لزيارة مكة ظرفا مختلفا، فالعبادة في الحرم تفوق بثوابها اضعاف المدينة، وبالتالي فان عدد الناس اكثر، ولهفتهم على التجمع اكبر، فيصير هناك ضغط شديد يلمسه الناس، على شكل زحام وتدافع، وازمات، فيما المدينة لاعبادة خاصة فيها مثل الطواف بالكعبة، الصلاة فقط وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وتدافع الناس هنا اقل، فيبدو الحال ايسر واقل مشقة بطبيعة الحال، واكثر بسطاً.
تتذكر هذه المدينة، بساكنها عليه صلوات الله، وبركاته، في توقيت الهجرة، اذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وفي دعاء النبي الشهير..» اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إلي...».
يهاجر الحبيب الى المدينة وينصفه اهلها، انصافا يجعلنا حتى اليوم، ندعو للانصار وذرياتهم، ولمدينته الحبيبة، التي نحبها لانه احبها، ولانه فيها ايضا.
اكثر من مرة شاءت ارادة الله ان ازور المدينة في رمضان، في ليلة القدر، وكنا كل مرة فجرا، ندخل الى ذات الحجرة النبوية، حيث النبي وصاحبيه رضي الله عنهما، وفي كل مرة ابرمج عقلي ولساني على ان ادعو في تلك الحجرة، طالبا الف طلب دنيوي.
ما ان تدخل وكل الناس يزورون قرب بوابات الحجرة المغلقة، وانت بالداخل، حتى ينعقد لسانك، فلا اقدر على الدعاء الا للاخرة، وكأن منعا فوق قدرتك، يمنعك وانت هناك، ان تدعو الله عز وجل لغير آخرتك فقط، حدث هذا اكثر من مرة، وربما حياء من اللحظة.
في غرفة النبي صلى الله عليه وسلم، يتوقف قلبك، هنا كان، هنا عاش، هنا اصحابه وزوجاته، هنا سيدي، الذي صدقناه ولم نره، وهو سيدي ايضا، الذي تبتلى امته بفتن جعلت كثيرين يخرجون عن طورهم ويرتدون، او يضعفون، تحت وطأة ما نرى هذه الايام.
في ذكرى الهجرة، نستذكر الحبيب، ونستدعي اخلاقنا، فلا نجد في اغلبها خلقا محمديا، فاين نحن منه، في كثير من تصرفاتنا، وكيف ندعي محبته، ونحن في هذا البعد الشاسع، عن اخلاقه التي جعلت الله عز وجل يصفه عبرها بقوله..»وانك لعلى خلق عظيم»؟!.
لم ينقطع الرابط مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاذا كان الله بعظمته يصلي على النبي، والنبي في الحديث يقول ان من يصلي عليه مرة، يصلي الله عليه عشرا، فهذا يعني انك انسان محظوظ جدا اذا تذكرت الصلاة على النبي، فانظر لهذا الكرم، تصلي على النبي مرة، فيصلي الله عليك عشرا ياهذا.الله بعظمته يصلي عليك. فكم ذنب لك يبقى، وكم هم وغم يبقى ايضا،هذا فوق عرض صلاة المصلين على النبي؟!. رابط روحي لا ينقطع، اما بصلاة الله عليك لانك تصلي على حبيبه، واما لان صلاتك تعرض عليه، ثم تعجب لهذا البخل المستحكم فينا، حين لا نذكره الا على عجل.
تستذكر النبي الحبيب، والمدينة الاكثر مكانة عند الله، وتستسقي بقلبك رضا الله، في ظل هذه الايام، وتتمنى لو ان فيك من اخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، حقا، بغير حشو الكلام والادعاء امام الناس.
للمدينة وساكنها،خفقات قلوبنا، وصولات ارواحنا، ودعاء ان يأتي اليوم، الذي يصير فيها ممكنا ان نحج او نعتمر في مكة، ثم نزور المدينة، ثم نحو القدس المحررة، لنقدس حجنا او عمرتنا..وماعند الله قريب....!
الدستور