التلفاز الأردني المستقل وأحداث الإقليم
د.حسام العتوم
14-10-2015 04:23 PM
بعد (47) عاماً على تأسيس التلفاز الأردني العام الرسمي عام 1968 في عهد عظيمنا الراحل الحسين طيب الله ثراه والذي وصفه آنذاك بأنه منارة جديدة للحق والهدى وينبوعاً ثرياً للفكر والعرفان في ظل عمل وزارة الإعلام التي تأسست عام 1964 وفق نظام إداري مركزي، صدرت الإرادة الملكية السامية للملك عبدالله الثاني يوم الأربعاء 7 اكتوبر 2015 بتشكيل مجلس إدارة للتلفزيون المستقل برئاسة الزميل فهد الخيطان رئيس هيئة تحرير جريدة الغد وعضوية الأساتذة الخبراء أيمن الصفدي، ومروان جمعة، ونارت بوران، وباسم الطويسي بشكل غير متفرغ، ومع أن خبر الشروع بتأسيس قناة تلفزيونية جديدة إخبارية إقليمية ناطقة باسم الدولة جاء مفاجئاً للرأي العام الأردي بسبب حاجة التلفاز العام الحالي للدعم المالي من قبل الدولة التي تُمثّل الحكومة، هذا من جهة، وبحكم مديونية الدولة نفسها والبالغة حوالي 27 مليار دولار، إلا أن توضيح السيد الخيطان سلّط ضوءاً على رواية التأسيس هذه وعلى الهدف والرؤية فيما أوضح غيره في العتمة خيوطاً أخرى، حيث اكد الأخير بأن المحطة للدولة وهي مستقلة تماماً عن الحكومة وهو غير واضح تماماً بطبيعة الحال فالحكومة الأردنية دائماً هي ناطقة باسم الدولة وصاحبة الولاية العامة بعد ولاية جلالة الملك مباشرة وليست جسماً منفصلاً عنها رغم أن الدولة تشكل مفهوماً أوسع وتعني النظام السياسي أيضاً، وأكد الخيطان في الوقت ذاته في مقالة سابقة له في صحيفة الغد نشرته عمون بأن تعيين مجلس إدارة المحطة المستقلة جاء بإرادة ملكية فيما عين مجلس إدارة التلفزيون العام من قبل مجلس الوزراء وبرئاسة وزير الدولة لشؤون الإعلام ونرى بأن الحكومة والدولة جسماً واحداً تعملان بإرادة ملكية ولا انفصام، ولا نعتقد في المقابل بوجود كاريدور خاص يمكن أن يربط المحطة التلفزيونية الجديدة بالقصر مباشرة ما دامت الحكومة عاملة ومتجددة وهي سلطة تنفيذية، والقطاع العام للدولة لا يمكن أن يتحول إلى خاص في العتمة بينما الخاص الحقيقي واضح وعامل في الميدان في المقابل.
والمحطة التلفزيونية الجديدة المستقلة هذه التي تحتاج لعام كامل حتى تجهز وتنطلق سيكون تمويلها كما يتضح ليس من خزينة الدولة ولن يكون من جهة معروفة كما يبدو لكنه سيبقى مستقلاً وهو الأمر الذي يثير تساؤلات في الشارع الأردني ومنه الإعلامي، وستعمل المحطة بسقف حرية عالٍ غير معهود للأردنيين والمدير التنفيذي لن يكون أردنياً بالضرورة بل ربما عربياً، والأصل كما نعتقد أن يناقش المشروع الإعلامي الجديد الأردني والإقليمي وليس الدولي هذا عند جهوزيته تحت قبة البرلمان، وإجراء استفتاء شعبي أردني عليه بعد عام على انطلاقته إلى الأمام، والسؤال التالي الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو لماذا تم تحديد خط إستراتيجي لهذه القناة التلفزيونية لكي تكون إقليمية لا دولية، ومن هو صاحب الفكرة والعقل المدبر تحت مظلة أحداث المنطقة الشرق أوسطية الملتهبة؟ وهل الإقليم المحيط بالأردني يمكن عزله عن كل ما هو دولي؟ أليست النسب المئوية الشاملة للتغطية الإعلامية هي المدخل والحل؟
خبير إعلامي رفيع المستوى همس في أذني قبل ساعات من الشروع في كتابة هذا المقال قائلاً لي بما بمعناه بأن (حُزّيرة) التلفزيون المستقل لن تنجح، وهي فكرة ليست جديدة وتم تداولها في السابق عدة مرات ولم يتم الخروج بنتيجة تذكر حولها، وبأن شخصية وطنية معروفة تعمل في العمل العام اليوم وقفت وراء المشروع الإعلامي هذا بحكم قربها من دائرة صناعة القرار في الأردن وهنا لا أسوق هذا الكلام بقصد الإحباط وإنما لتسليط ضوء جديد وسط خيوط التلفاز الفضائي غير العادي المتشابكة، وبهدف التعرف على حديقته الأيديولوجية الخلفية والمالية كذلك وإلى أين يسير؟ وفي المقابل تأتي الانطلاقة القادمة للتلفزيون المستقل بعد 15 عاماً على حل وزارة الإعلام في عهد حكومة فيصل الفايز عام 2003 وبعد الارتكاز على توجه سابق لحكومة عبدالكريم الكباريتي عام 1996 والتوجه إعلامياً من وسط الرؤية الملكية للملك عبدالله الثاني وبشكل استراتيجي نحو الانفتاح على الداخل الأردني وعلى الخارج الإقليمي والدولي، لكن السقف المحافظ الذي حُدد للتلفزيون العام الشامل يطرح سؤالاً آخراً عن سبب منح التلفزيون المستقل سقفاً عالياً يلتزم بمنظومة اخلاقيات الدولة والمجتمع شريطة أن لا يتعدى الإقليم ولا يتجه للفضاء الدولي؟ ومع هذا وذاك سيتيح الإعلام الموضوعي الجديد القادم الفرصة للطاقات الشبابية الأردنية خاصة الإعلامية في مقدمتها العمل والإبداع خدمة لرسالة الإعلام السامية المنحازة دائماً للحقيقة والوطن والحامية له من الإرهاب بعد الجمع بين المدرستين الليبرالية والمسؤولية الاجتماعية وللتذكير فقط فإن لدينا في الأردن خمس جامعات تدرس الإعلام وتقف (البترا) في صدارة الخاصة منها بحصولها على شهادة الجودة والتميز، و(اليرموك) في واجهة الحكومية التي حصلت على وسام الاستقلال من الدرجة الألوى هذا العام 2015، وسيبقى المشاهد الأردني في شوق للإبداع القادم الجديد عبر أفق واسع من الفنون والبرامج الإخبارية والتحليلية والتشكيلية، ومع مرافقة الصور المتحركة والملونة المعبّرة واعتماد الاستقصاء طريق ونهج عمل.
إذن وبكل الأحوال ما لم يستطيع إعلام الحكومات الأردنية المتعاقبة الوصول إليه وسط الميدان الأردني من قضايا عالقة حتى الساعة سيصل إليه الإعلام المستقل الجديد المرتبط بالقصر مباشرة إن صح التعبير ولا تظليل بعد اليوم في مستقبل القادم من الأيام وسط مطبوعات ومسموعات وفضاءات كل ما هو إقليمي ودولي، وإذا كان الإعلام التقليدي قبل التعتيم فإن الإعلام الجديد يرفض ذلك، والقناة التلفزيونية القادمة ستكون تنموية شاملة تتصدى لطرح قضايانا الأردنية بجرأة فوق الطاولة مثل (الفقر، والبطالة، والتصحر، والصحراء، وتلوث المياه، وشح المياه، والفساد)، والإعلام الجريء القادم يحتاج فعلاً لإعلاميين يتمتعون بالنزاهة والموضوعية والجرأة وهم كثر في أردننا الوطن الغالي، والأهم سنحافظ على جمهورنا الأردني المشاهد من الهروب إلى الخارج العربي وسندفع بالعرب لكي يحدّقوا بعيونهم إلينا ويضعوا ثقتهم فينا والذي من شأنه أن يعزز من مكانة بلدنا وإعلامه، وكلي أمل في الختام أن تتحقق الوحدة العربية الفيدرالية على كافة المستويات لنصل إلى خطاب إعلامي واحد، والله من وراء القصد.