في الذكرى الخمسين لرحيل سمير الرفاعي
أ.د. سعد ابو دية
13-10-2015 05:12 PM
(أهم وأخطر معارك سمير الرفاعي 1963):
عندما انتقل سمير الرفاعى الى رحمة الله كنت طالبا في كلية الشهيد فيصل الثاني وكنت اقرأ ولا اضيع الوقت ولما عدت الى الثكنة قابلني احد زملائي بالثكنه (هايل المعايطة) قال لي ان بهجت التلهوني مات..
تأملت ملامحه لانه كان كثير المزاح قال: لا لا ! سمير الرفاعي. تأملت بوجوم شديد وجهه ثانية واكد الخبر عادت بي الذكرى لكتاب كان عندنا في المنزل اسمه الاردن بين عهدين كان المؤلف عادل بكمرزا شردان يمدح سميرا من خلال تجربته كمرافق معه وفي سنين لاحقه قرأت الكثير من الوثائق البريطانية التي ذكرت سميرا منذ ان كان وزيرا للداخلية وكان ترايب يتردد علىه ليستفيد من تجربة الاردن حتى تطبق على ليبيا في تلك الايام لان الاردن الاقرب الى ثقافة الشعب الليبي وعاداته .
عندي عشرات الوثائق عن سمير وقد قدمت منها نسخة منذ سنوات عديدة لدولة زيد الرفاعي وما اكتبه اليوم في ذكرى وفاته هو من صميم الوثائق التي اشادت به كثيرا وبرجال تلك المرحلة وقالت عنهم بأنهم بالرغم من موالاتهم للغرب كانوا رجال حزم وادارة ويعرفون وجهتهم وذوي اعصاب قوية .
سمير الرفاعي رجل الانجازات منذ عام 1944
لاحظت ان الوثائق البريطانية تناولت باهتمام بالغ فترة عام 1963 من تاريخ الأردن عندما تحالف البعثيون والناصريون ووقع الأردن بين حجري الرحى. الغريب ان الوثائق تنبأت سلفاً ان حكومة سمير الرفاعي لن تستمر علماً ان الوثائق لم تغفل جانباً مهماً في تلك الوزارة وهو قوة الوزارة وقوة سمير نفسه فهو رجل الانجازات الهامة منذ عام 1944.
سمير يجر وراءه تاريخاً من الانجازات:
عندما شكل سمير الرفاعي وزارته عام 1963 قفز للاذهان تاريخ وانجازات سمير فهو الذي بدأ محادثات الجامعة العربية في وزارته الأولى عام 1944م وهو الذي شهد تأسيس اول مجلس امة من مجلسين: أعيان ونواب عام 1947 في وزارته الثانية وهو ايضا الذي سيطر على الموقف بعد اغتيال الملك المؤسس في القدس في وزارته الثالثة 1951م وهو الذي رفض الاحلاف بعد ازمة حلف بغداد في مطلع عام 1956م في وزارته الرابعة وفي وزارته الخامسة 1958م سيطر على الموقف بعد ثورة 14 تموز وهكذا لاحظنا ان كل وزارة لسمير الرفاعي قامت بعمل هام في مواجهة موقف عام.
في مواجهة تحالف مصري عراقي سوري:
عندما شكل سمير الرفاعي وزارته عام 1963م كانت مصر وسورية والعراق في شهر عسل... لقد تحالف الناصريون والبعثيون واشتد الضغط على الأردن الذي وصفه الحسين في كتابه (مهنتي كملك) بأنه تحريض وابتزاز سياسي.
الوثائق البريطانية تحدد المشاكل أمام سمير:
في مطلع آذار 1963 حددت الوثائق البريطانية بأن أمام سمير الرفاعي مشكلتين هما:
1- تأثير الاتحاد المزمع انشاؤه بين سورية ومصر والعراق على الأردن وبخاصة الضفة الغربية التي كان الرأي العام فيها متأثرا بتفاعلات الاتحاد.
وتذكر الوثائق ان الوضع في الضفة الغربية للأردن ليس خطيراً إذا ظلت الناس تتكلم فقط واذا ظل السياسيون يركزون على الخطب السياسية فليس هناك اي تهديد!!
وتذكر الوثائق ان نية الحكومة الأردنية تعيين اثنين من القدس في الحكومة.
2- مشكلة اليمن: كانت الحكومة الاردنية في صف السعودية مع بقايا النظام الملكي في اليمن في حين ان مصر تخوض حرباً ضروساً هناك دعماً للنظام الجمهوري.
كان هناك من يشيع ان الامور فلتت واصبحت خارج السيطرة، اراد الملك التغيير وقيل ان سليمان النابلسي وسعيد المفتي وعبد المنعم الرفاعي رفضوا تشكيل وزارة في تلك الظروف وقبل رجل المهمات الصعبة سمير ان يشكل وزارته السادسة في اجواء مرهقة سياسيا وتذكر الوثائق ان البلد تموج بالاشاعات ومنها:
1) ان وصفي يريد ان يعيد عبد الله التل للاردن ويسلمه الجيش بدلا من حابس.
2) الناس متعبون جدا ويائسون والاوضاع في الضفة الغربية متوترة وفي القدس تحديداً.. يذكر احد التقارير البريطانية نقلاً عن صحفي مهم (ذكر اسمه) انه لا بد من ترك اهل القدس وشأنهم وهم لا يريدون ان يغيروا النظام وهم واعون جداً للتأثيرات الخارجية وان اي تغيير يفتح الباب امام اسرائيل لتدخل وتحتل القدس!
حاذق وشغيل:
ذكرت الوثائق البريطانية ان الملك اختار (سميراً) لأنه الخـــيار الآمــن عند الملك «SAFE CHOICE» في هذه الاوضاع.
تمتع سمير بسمعة جيدة بأنه رئيس وزراء قوي وان الملك اذا بحث عن خيار آمن فأمامه سمير وجاء في النص:
«إذا كان لا بد من التغيير في الأردن فان سمير هو الخيار الآمن للملك، ان فائدة سمير على الجبهة الداخلية انه يتمتع بسمعة انه رئيس وزراء قوي..».واشار التقرير نفسه إلى ان (سمير) خبير وحاذق (وشغيل).
وضع وزارة سمير بعد يومين من تشكيلها:
في تقرير من السفارة (سري) اوضح ان سمير سوف يركز على الاوضاع الداخلية وانه سوف يكون حازما ولكنه سيكون مرنا في العلاقات العربية العربية.
ويضيف التقرير السري متسائلا عن مستوى الحزم الذي يجب ان يتبعه سمير في الداخل... هذه نقطة يجب ان ينتبه لها رئيس الوزراء. وتوقع التقرير ان سمير سوف ينجح في العلاقات العربية العربية.
مقارنة بين وضع سمير عام 1958 وعام 1963:
قارن التقرير السري السابق بين وضع سمير عام 1963م ووضعه عام 1958م وبين انه في عام 1958م كان الجيش البريطاني موجوداً في عمان، وان الوضع كان صعباً والنقد كثير كما كان الوزراء مع سمير عام 1958م عبئاً عليه ولكن الرفاعي في وزارة 1963م تخلص منهم ومن عبئهم الكبير عليه.وتوقع التقرير السري ان سمير سوف يكون اكثر مرونة من عام 1958م.
المخاطر موجودة
تشير الوثائق ان المخاطر موجودة امام سمير، وان وزارته بدأت رحلتها في أجواء صعبة جدا من عدم الشعبية فالاخطار تحيط بالأردن من الشيوعيين والبعثيين والناصريين وبعض الاحزاب الاسلامية كالتحرير! وهكذا فان مهمة سمير صعبة.
لم يضع وقتاً:
تبين ان رئيس الوزراء الجديد لم يضع وقتاً وبدأت مهمته من اللحظة الأولى في بعث الطمأنينة على الساحة الداخلية وفي فتح الابواب في العلاقات العربية العربية.
سمير يخطط لتحسين العلاقات العربية العربية:
تشير تقارير السفارة إلا ان سميراً بدأ التخطيط في تحسين الاجواء مع الدول العربية وفي تقرير (سري) صادر عن السفارة يوم 5/4/1963م اشار إلى ان سميراً بدأ مع بهاء طوقان امين عام وزارة الخارجية ومعه فرحان الشبيلات سفير الاردن في الجزائر وتونس والمغرب في مهامهم الدبلوماسية. كانت الجزائر تقوم بدور وساطة وكان فرحان الشبيلات حلقة وصل... وجاء سفير السودان من العراق للغاية ذاتها وبقي في عمان مدة يومين.
وكان سمير قد اجتمع مع عميد السلك الدبلوماسي في 28/3/1963م ومعه رؤساء البعثات الدبلوماسية.
ملاحـظة: تلاحظ ان سمير لم يضع وقتا وانه قابل عميد السلك الدبلوماسي والدبلوماسيين في اليوم التالي لتشكيل وزارته وانه وان لم يكن قد قدم بيانه الوزاري بعد فانه كان يعمل في سبيل فتح الباب في العلاقات العربية العربية وانه استعان بسفيرنا في الجزائر واستعان بسفير السودان في بغداد كل ذلك في الاسبوع الاول من تشكيل الحكومة!.
وزارة سمير الرفاعي بعد أسبوع:
كتب تقرير صادر عن السفارة بعد اسبوع ان الوضع الداخلي اقل قتامة مما كان عليه قبل اسبوع. لقد نجح سمير في تهدئة الاوضاع الداخلية ومنها اغلاق ملف تحقيقات سابق مع (52) ضابطاً وبعث ذلك الطمأنينة في نفوس الضباط المتوسطي الرتب.
على جبهتين:
كان سمير يعمل على جبهة داخلية وجبهة خارجية، والخارجية هي جبهة التحالف الجديد (مصر وسورية والعراق) والضغط الاعلامي المصري، اراد سمير ان يدفع المصريين بالتي هي احسن وان يكون مرنا وان لا يكيل الصاع صاعين لهم وعنده في الداخل جبهة معارضة قوية ينصاع بعض اطرافها للاعلام المصري.
وهناك نواب معارضون يقودون مظاهرات. كانت تحدث بعض الحوادث الغريبة لتأزيم الموقف مثلاً في يوم 20/4/1963 حدثت مظاهرات في القدس. لم تطلق الشرطة النار ولا الجيش ولكن النار اطلقت خلف المتظاهرين.
وفي المدارس كانت مظاهرات لم تستطع الحكومة ان تعمل شيئا في منع الطلاب من المغادرة! لم يسع سمير للحصول على ثقة النواب باستقطابهم بمال او جاه او مناصب.. لكنه كان يعمل الكثير علي الساحة عمليا على النحو الذي لاحظناه متوقعا ان يفوز بأغلبية اصوات النواب. ولم يعمل سمير شيئا للصحفيين بل على العكس صارحهم في خطابه لهم ان لا يتوقعوا مكافأة او مقابلاً اذا كتبوا لصالحه.. والاكثر من ذلك انه قد ينظر في امتيازات اخذوها من سابقه (وصفي التل)!
وتشير الوثائق إلى ان الهجوم الاعلامي مستمر على الاردن في اجواء شهر عسل بين مصر وسورية والعراق وحديث وهاج عن الفيدرالية بين الدول الثلاثة.وتشير الوثائق ان الاعلام المصري كان يضرب في تلك الايام اخر ضرباته القوية ضد الأردن ومعه تحالف سياسي جديد.
وصلت المظاهرات في القدس حدا لا يصدق اذ ان الاعلام المصري افقد الناس هناك صوابهم، لقد ضُرب مدير الشرطة واجبره المتظاهرون على تقبيل صورة جمال عبد الناصر علناً. لقد وصل الملك الى استنتاج ان عبد الناصر يريد ان يصل الجيش والشرطة الى مرحلة الملل فلا يتدخلون في مظاهرات. اما سمير الرفاعي فقد وصل الى استنتاج اخر وهو كما تقول الوثائق ان الهجوم في النهاية سيفتح الطريق لتنازل جلالة الملك عن العرش. اما الوثائق البريطانية فهي تشخص الوضع بان حجم الهجوم الاعلامي المصري يسير بمقدار معين ليهز الاردن حتى يطوع ارادته للسير في ركاب السياسة الجديدة ولكن دون ان يصل الى حد يسمح بتدخل اسرائيل.سمير يحدد القوى المعارضة:يذكر تقرير سري صادر عن السفارة ان سمير حدد ثلاث قوى خلف المعارضة:
1- معارضة الاحزاب الداخلية: ولغاياتها الشخصية كانت معارضة الاحزاب المحلية تأمل ان يفقد الملك اعصابه ويتنازل عن العرش وبذلك ينضم الاردن للفيدرالية المزمع قيامها بين الدول الثلاث (مصر وسورية والعراق).
2- رغبة مصر باخراج سمير الرفاعي من الوزارة وإحلال شخص اخر مكانه مثل سليمان النابلسي.وصل سمير الى استنتاج ان عبد الناصر ما كان يريد ان يذهب الى النهاية ولكن كان يريد ان يقص اجنحة الملك (يضعفه) Clip The Wings لانه لو فعل اكثر من ذلك فانه سيفتح المجال لدخول اسرائيل الأردن.
3- يرى سمير الرفاعي ان لاسرائيل مصلحة في تلك الفوضى حتى لا يصل الاردن الى الفيدرالية!
اخلاص سمير للملك:
في تقرير سري مرسل من السفارة لوزارة الخارجية يشير نقلاً عن سمير الرفاعي ان المعارضة تريد ان تزيح سمير عن الطريق كشخص موال للنظام.
دلائل التدخل الخارجي في الاطاحة بسمير في جلسة الثقة:
يشير تقرير سري مرسل للخارجية البريطانية إلى ان الملك كان حذرا. هناك من حذر الملك ان سميراً لن يأخذ ثقة النواب واقترح على الملك ان يقيل النواب سلفاً ولكن الملك لم يفضل ذلك لان ذلك في نظر الملك سيزيد الطين بله وستزيد المظاهرات كما ان تأجيل جلسة الثقة سوف يؤدي الى نفس النتائج وفي تقرير مرسل من السفارة البريطانية قبل يوم من جلسة الثقة (يوم 19/4/1963م) ظهر واضحا ان السفارة لا تتوقع ان تستمر الحكومة، فالكثيرون يقفون ضد سمير من ناصريين أو حتى أنهم اذ يتوقعون ان الولايات المتحدة كانت وراءها وان الوضع تأثر باعتراف الأميركيين باليمن الجمهوري.
ويظل السؤال ما هي دلائل التدخل الخارجي؟!
الشريف حسين بن ناصر يقدم دليلاً على التدخل الخارجي:
تحدث الكثيرون عن تدخل خارجي ولكن الشريف حسين بن ناصر الذي حل محل سمير قدم دليلا ومؤثرا على تدخل مادي اذ ان سعر الدينار الأردني في بيروت ارتفع من (8) الى (11) ليرة لبنانية لكل دينار لان المصريين اشتروا (000ر150) دينار اردني وارسلوها للاردن لشراء بعض الذمم ذات التأثير. غبر ان استاذي العزيز حازم نسيبه كتب لي رسالة طويله جدا فيها ان الذي ضايق سمير كولسة داخلية بين وصفي التل وصلاح طوقان رئيس مجلس النواب
الخلاصة:
امتص الاردن الصدمة القوية جدا وتم حل مجلس النواب وتشكلت حكومة جديدة برئاسة الشريف حسين بن ناصر ولقد آثر سمير الرفاعي عدم العودة كما تذكر الوثائق وشاركه الرأي سعيد المفتي.. وكان حظ عجيب لسمير الرفاعي في هذه الازمات..
على أية حال فان تلك الضربة من الاعلام المصري كانت آخر ضربة قوية موجه للأردن... وفي بداية العام التالي تحسنت علاقات الأردن مع مصر لفترة من الزمن، وبدأ عهد مؤتمرات القمة واصبحت مهمة رئيس الوزراء سهلة نسبيا مقارنة مع المهام السابقة في ظل الظروف السابقة... وبعد اشهر فان الوثائق البريطانية اشارت لمؤهلات سمير الرفاعي وهي شيء بديهي فهو نشيط وذكي ويستطيع ان يمسك الادارة بطريقة اكفأ من اي اردني اخر ولكن كان في الاردن مشكلة الحكم على الشخص من الاقتراب وفتح الباب مع الدول العربية وان هذا حصل لاحقاً مع وصفي التل ورأت التقارير ان سمير وحابس كانا من تيار يميني قوي يدعم القصر والخوف ان يأتي تيار متطرف للحكم وبخاصة ان الحديث عن تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الاتحاد السوفياتي اصبح معروفاً في آب 1963م حتى يخف ضغط مصر عن الأردن..
واخيرا كيف وصف السفير البريطاني (جونستون) رجال المرحلة (سمير الرفاعي):
امتدح السفير سمير الرفاعي كثيرا ومن ناحية صفاته وصفه بأن له عينان تتألقان خلف نظارتين سميكتين وكانت مفاصل ابهام يديه غريبتين جدا تنحنيان بانعطاف الى الخارج وباختصار فهو كالصقر يلبس ريشا ناعما.
امتدح السفير رجال الحكم الذين تقلدوا السلطة بعد عام 1957م ,ولكن الحمل الاثقل كان يقع على عاتق الملك حسين نفسه ذلك لان الملك كان هو سيد البلاد الفعلي في هذا الحكم فبالاضافة الى القلق والتوتر اللذين لازماه منذ ان تسلم العرش اصبح الان يجابه لاول مرة ضخامة العمل الشاق المحض واضيف انا ان عزم الملك كان اسطوريا.