حيدر محمود: "الحسين" يزورني في المنام .. وعمّان كبرت وأنا هرمت
11-10-2015 01:02 PM
عمون - محمد الصالح - تربع على عرش القصيدة الوطنية منذ عقود من الزمان؛ تغزل بمحبوبته عمّان كما لم يتغزل أحد قبله من الشعراء.. احبها عشقها ترعرع في اكنافها لا يطيق فراقها قط..
قال فيها "أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين.. فاهتز المجد وقبّلها بين العينين"، انه عاشق عمان والأردن الشاعر والوزير والدبلوماسي والاعلامي والعين حيدر محمود.
قلب العاشق والشاعر "حيدر" ينبض بحب الهاشميين فعشق الشبل والاسد، عشق الحسين قائدا وزعيما وابا انسانا وقال فيه :"مع الحُسيْنِ وُلدْنا: نَحنُ، والوطنُ... ولن يُفرِّقَنا عَنْ بَعْضِنا الزَّمنُ...َ وَحَّدَ الكُلُّ فيهِ، فَهْوَ خَافِقُنا ونحنُ خافِقُهُ•• والرُّوحُ، والبَدَنُ".
كما عشق الشبل الملك ابن الحسينين الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بن طلال وحفيد الشريف الحسين بن علي والذي قال فيه عند بلوغ جلالته الاربعين في عام 2001 :
" يا بن الحسينين : من شمسيهما سطعت *** كل الشموس ، فنور الحق متصل".
الشاعر العاشق "ابو أسامة" تجمعه قصة عشق تاريخية حفرت في قلبه مع الوطن والجيش والمليك.
الشاعر حيدر محمود المولود في بلدة الطيرة قضاء حيفا في فلسطين واشتهر بشعره الوطني عن فلسطين والأردن يرى في حواره مع "عمون" أن كثيرا من الامور تغيرت في الاعلام والثقافة والمجتمع.
مذيعون.. لا لغة ولا كرزما ولا صوت
يقول محمود :"الاعلام قبل 50 عاما لم يكن مهنة بل كان رسالة حقيقية لها اهدافها وكان الاعلام حلم كل شاب أردني يقرأ ويكتب، لأن الإعلامي كان نجما لدى الدولة والمجتمع ويلقى احتراما وتقديرا عاليين، على الرغم من قلة مردوده".
ويصف الحالة الاعلامية اليوم بانها تسابق على الظهور فقط بلا اي هدف أو وجود مضمون، وهي مشكلة ثقافية اجتماعية.
ويستذكر محمود أن العمل على سبيل المثال في الإذاعة الأردنية كانت شروطه قاسية جدا ومن هذه الشروط، المعرفة الكاملة باللغة ولا مجال للخطأ، اضافة إلى ضرورة ان يتقن المذيع لغة اجنبية وأن يكون قادراً على الترجمة لكي لا يخطئ بالأسماء الاجنبية عند لفظها، لأن المذيع كان هو من يحرر النشرة.
ويضيف أن من شروط المذيع سابقا أن يكون لديه صوت "فوق الجيد" حتى ينافس الاصوات العربية في الاذاعات العربية حينها كمذيعي مصر.
ويؤكد محمود أن من شروط القبول في العمل الاذاعي المعرفة والاطلاع في مكتبة الاذاعة التي كانت تعتبر اهم مكتبة في الأردن حينها في ستينيات القرن الماضي وقام بتأسيسها المرحوم وصفي التل وصلاح ابو زيد وهما كانا يزودان المكتبة بكل كتب حديثة وقتها واصدارات من لبنان والقاهرة.
ويشير إلى أن القراءة مجانية، إلا انها بالنسبة لموظفي الاذاعة الأردنية كانت شبه اجبارية، وهذا دليل على المسؤولين في ذلك الوقت كانوا يقرأون ومن مسؤولي الاذاعة وقتها مديرها وصفي التل ومن ثم صلاح ابو زيد.
ويعتبر محمود ان القراءة تشبه العدوى الجميلة التي مطلوب على كل اهل ان ينقلوها لأبنائهم وبناتهم.
ويرى أن على المذيع أن يكون شخصية مقنعة في الحوار وعند لقاءاته مع مختلف الشخصيات التي يقابلها، إلا أنه يعتبر أن الشروط التي ذكرها في المذيع في السابق لم تعد موجودة هذه الأيام، لأنه يجد أن المذيع الحالي لا لغة ولا كرزما ولا صوت.
ويشير إلى أن الاهتمام بتفاصيل الإعلام والانتباه إلى الأمور المهنية في الاعلام اختلفت في الأردن وجميع الدول عن ما كانت عليه في السنوات الماضية، ويؤكد أن من اسباب عدم الاهتمام يعود لكثرة الصدمات والهزائم التي تعرضت لها الشعوب وكثرة الهموم الشخصية.
* قصته مع الطبيب والمذيعة
يقول محمود إن احدى المذيعات اللواتي دخلن العمل الاعلامي لا تجيد قواعد اللغة العربية، إلا انه تفاجأ فيما بعد أن دخلت هذا العمل.
كما يستذكر أنه ذهب إلى بلغراد وزار طالبا أردنيا كان يدرس الطب هناك، وكان الطالب طلب منه "كروزات دخان"، فأعطاه اياها، إلا أنه اكتشف سبب الطالب الدخان ليعطيها لأستاذه ليتمكن من النجاح في كلية الطب.. ويقول محمود قلت للطالب حينها وهو الآن طبيب معروف :"اذا وجدتني يوما مريضا لا تعالجني".
* الحالة الثقافية مصابة بـ"الشللية"
يعتبر الشاعر والوزير السابق للثقافة "ابو اسامة" ان الحالة الثقافية اصيبت بـ"الشللية" وتفشت بها، فلا تجد من يأخذ بيد المبدع سواء كان فنانا أو شاعرا أو مغنيا.
ويشير إلى انه على سبيل المثال يوجد مجموعة من الشعراء الشباب الذي لديهم الخامة من موهبة الشعر وهم بالأصل "مهندسون"، إلا انهم لم يجدوا عونا لهم.
ويضيف أنه يشارك هؤلاء الشعراء الشباب في الاستماع اليهم ويصطحب عدداً منهم إلى امسياته ويقدمهم ليبينوا شعرهم، كما انهم يتواصلون معه باستمرار.
ويؤكد انه عندما كان وزيرا للثقافة كان يشتري بعض النسخ من شعراء ويوزعها مجانا ويعطيهم كلفة طباعتها، لأن الكثير من الشباب يستدين ليطبع كتاب.
ويعتبر أن كلمة ثقافة كلمة "مطاطة" ويطالب بتحويل وزارة الثقافة إلى مؤسسة أو هيئة تعنى برعاية الفنون والأدب.
الأغنية الوطنية ... الحسين كان يحضر إعداد بعضها ووصفي غير كلمات فيها
يقول الشاعر الوطني محمود :"الأغنية تربي الاجيال على المبادئ والقيم النبيلة وتدخل إلى قلوب الناس دون استئذان، إلا انه للأسف لم تعد الاغنية حاليا كذلك.
ويبين أن الاغنية الوطنية تحتاج إلى فكر سياسي واعٍ وشاعر جيد مثقف يعرف طبيعة مجتمعه وملحن جيد وفرقة موسيقية.
ويضيف أن الأغنية الوطنية سابقا كانت ترسم سياسيا وهي تتغزل بالوطن، ومطلوب اختيار كلمات الاغاني الوطنية بعناية لأنه يوجد كلام يصلح "مباح" ويوجد كلام لا يتناسب مع المجتمع والقيم وغير مباح.
ويتذكر قائلا :"لا انسى تلك الايام التي كان يحضر لنا جلالة المغفور له الحسين بن طلال للإذاعة ويتناول معنا الطعام مما هو متوفر لدينا بكل تواضع ويستمع إلى اعداد الاغاني الوطنية".
ويتابع ويقول :"ان المسؤولين في الوطن في ذلك الوقت حريصون على كل شيء حتى على الكلمات في الاغاني الوطنية ومنها ما قام به المرحوم وصفي التل الذي غير كلمة في اغنية "وين على باب الله" إلى "وين على رام الله" ليروج لرام الله سياحيا من خلال الاغنية وقتها كانت الضفة مع الأردن.
وينوه إلى ان اغنية "يا صبابين الشاي زيدوا حلاته.. واللي ما بحب الكيف يعدم حماته"، تم تغيير كلمة "يعدم حماته" إلى "لشو حياته"، وهي دليل على الحرص على كل كلمة ان تكون مفيدة وهو اشارة إلى أن الشاي كان يقدم في كل البيوت الأردنية بشكل تقليدي وجزء من عاداتهم.
ويأسف محمود انه هذه الايام يسمع اغاني واصوات مغنيين في المحطات تجعله يريد أن يكسر الجهاز سواء المذياع او التلفاز.
* العودة إلى الروح الجماعية التي ورثها الأردنيون
يتمنى محمود ان تعود الروح الجماعية للمجتمع الأردني كما كانت قبل سنوات طويلة، لأن الثقافة الأردنية مبينة على الروح الجماعية الوطنية.
ويشير إلى أن الاغاني في الاعراس الأردنية جماعية تغنى، المنسف فكرة جماعية، بيت الشعر كان يجمع الناس تحته.
ويضيف أن بناء وتعزيز الروح الجماعية كانا اساسيين في الاعلام الأردني وفي التربية الوطنية الأردنية.
* ما منعه عن "الجيش"
يشير محمود إلى أن طموحه كان أن يسجل في الجيش العربي القوات المسلحة، إلا أن طوله لم يسعفه حينها، حيث كان طوله اقصر من المطلوب 2 سم.
ويتابع قائلا: "اعشق الجيش وافراده وضباطه وما زلت، حتى اني كتبت كثيرا للبطولات في معركة الكرامة".
ويضيف أن المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال كان يعشق الجيش وتحديدا القوات الخاصة كما يعشقه جلالة الملك عبد الله الثاني، حتى انه كتب قصائد للقوات الخاصة في منطقة العالوك في سنوات مضت ما زالت موجودة لديهم.
* لم يقبض ثمن قصيدة له
يؤكد الشاعر "ابو اسامة" الذي بدأت محاولاته في الشعر منذ كان عمره 12 عاما أنه لم يقبل يوما أن يقبض ثمن قصيدة كتبها وتم غناؤها من المطربين امثال "نجاة الصغيرة، وديع الصافي، فايزة احمد واخرها قصيدة غنتها ماجدة الرومي".
ويقول :" إن أي مهنة فنية لم تعد هواية تفسد، لكنني لست ضد مكافأة الفنان بالمطلق، لكن ايضا مطلوب محاسبته اذا اخطأ".
*"الحسين يأتيني في المنام باستمرار"
ويتذكر محمود ان التعامل مع الملك الحسين بن طلال لم يكن مع ملك فقط بل كان مع انسان كبير وبسيط بساطة الفقراء وذكي بشكل خارق وشجاع لا يوجد له وصف.
ويشير إلى أن كل هذه الصفات التي وجدت في الحسين الملك شدت الشعراء له، ويقول :"نشعر بالعشق له وكنا نتهيب من نظراته الحادة التي تستشرق المستقبل، فقد كان يرى ما لم نره حتى اسماه "الرآي وزرقاء الأمة".
ويقول محمود إن "الحسين يأتيني في المنام باستمرار".
ويؤكد أن عليه الاعتراف بأن الملك عبد الله الثاني هذا الشبل من ذاك الأسد ويقول :"الملك عبد الله الآن يكاد يشبه اباه الحسين بالتفصيل الكامل".
ويضيف أنه كتب لجلالة الملك عبد الله قصيدة غنيت في ذكرى ميلاد جلالته الأربعين في عام 2001. وهي "يا ابن الحسينين".
وينوه إلى انه لا يكتب شعرا إلا بمن يحب، لهذا رفض عروضا من خارج الأردن للكتابة لهم.
* "الظروف تصنع الرجال ولا احد يتكرر"
يعتبر الشاعر "ابو اسامة" ان لا احد يتكرر ولكل زمان دولة ورجال والرجال الذين يذكرهم التاريخ هم من استغلوا اللحظة التاريخية المواتية.
ويشير إلى ان وصفي التل لن يتكرر وكذلك عرار وغيرهما من رجالات الدولة.
* "الوطن والمدينة اجمل من امرأة جميلة"
يعتبر ان الغزل بالوطن اجمل وافضل من التغزل بفتاة جميلة، ويقول :"عمان هي مني وانا منها وبيننا علاقة عشق فريدة إلا انها كبرت وانا هرمت".
ويشير إلى ان عمان اصبحت "70 عمان"، وهو من كتب بها القصائدة الكثيرة متغزلا بها وبجمالها.
* "عمري ما خفت على الأردن"
يتمنى ان يعود الأردنيون كما كانوا طيلة التسعين عاماً الماضية اسرة واحدة متماسكة تجمعهم المحبة والنسب والعم المشترك "الفقر النبيل"، لأن الفقر النبيل يتعالى عن الطلب لعزة نفسه.
كما يتمنى ان يبقى الأردن بشعبه وبعظمة جيشه وامنه واستقراره ويقول :"انا شخصيا مسكون بحب النشامى من ابناء القوات المسلحة، وهذا يعني أن الشعب هو الجيش والجيش هو الشعب".
ويضيف قائلا :"عمري ما خفت على الأردن بالرغم من كل الازمات والمحن، ومن الادلة القريبة لحمة الشعب عند استشهاد الطيار معاذ الكساسبة رحمه الله".
نبذة عن حياته
الشاعر حيدر محمود لديه ولدان: اسامة عقيد في سلاح الجو وابنه عمار مستشار في رئاسة الوزراء ويحمل الماجستير في الاعلام وكلاهما متزوج.
يشار إلى أن الشاعر العين حيدر محمود انهى دراسته في عمان ، وحصل على الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا.
عمل سكرتيراً لتحرير جريدة الجهاد المقدسية، وموظفاً في إذاعة وتلفزيون الأردن، ومديراً لدائرة الثقافة والفنون، ومستشاراً للقائد العام للقوات المسلحة الأردنية، ووزيرا للثقافة وسفيرا للأردن لدى دولة تونس واخيرا عضو في مجلس الأعيان.
والشاعر محمود عضو في رابطة الكتاب الأردنيين وشارك في العديد من المهرجانات الأدبية، وله العديد من الدواوين الشعرية ومئات القصائد.