القدس في الجامعة الأردنية .. مشروع مواجهة حضارية
بلال حسن التل
11-10-2015 12:14 PM
إعلان الجامعة الأردنية بالتعاون مع جامعة القدس ومؤسسة منيب المصري للتنمية ووقفية القدس لحملة سهم الوفاء للقدس، هو فعل حضاري يجب البناء عليه وتطويره ليتحول إلى مشروع أمة تسعى لاستعادة دورها الحضاري من خلال نهوض حضاري شامل، فهذا هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير في واقعها وصولاً إلى النصر الذي يعيد لها حقوقها في القدس وسائر فلسطين، فحتى تعود القدس لنا يجب أن نعيدها إلى ضمائرنا، وهو هدف من الأهداف المعلنة لحملة سهم القدس التي أُعلن عنها يوم الأحد الماضي في حرم الجامعة الأردنية، وحتى تعود القدس إلى ضمائرنا فعلينا أن نعيدها أولاً إلى عقولنا ومن ثم إلى قناعتنا التي تتشارك بها عقولنا وضمائرنا، وهو بالضبط ما سيتم إن تمكنت الجامعة الأردنية من تنفيذ برنامجها الذي أعلنته يوم الأحد الماضي على لسان رئيسها الدكتور اخليف الطراونة في احتفالية إطلاق حملة سهم الوفاء للقدس، فقد تضمنت كلمة رئيس الجامعة مشروعاً فكرياً متكاملاً حول القدس وفي سبيلها اشتمل على :
• إنشاء مركز باسم مركز دراسات القدس بالشراكة مع مؤسسة فلسطين الدولية.
• تخصيص جائزة دورية مقدارها عشرة الاف دينار تمنح كل عامين لأفضل رسالة دكتوراه محكمة عن القدس.
• معاملة الطلبة المقدسيين في برنامجي البكالويوس والدراسات العليا معاملة الطلبة الأردنيين من حيث الرسوم على البرنامج الموازي.
• اعتماد يوم التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام يوماً لنصرة القدس.
• إدراج مادة بعنوان «مدينة القدس» في خطتها التدريسية.
• تبني العديد من المبادرات منها: «شريكي مقدسي» لتفعيل التواصل بين الطلبة الأردنيين والمقدسيين.
• إنشاء صندوق لدعم الطلبة المقدسيين الدارسين فيها بهدف تمكينهم من تأمين نفقات دراستهم الجامعية، حيث تأمل الجامعة أن يكون ذلك مقدمة لدعم الطلبة الفلسطينيين ومساواتهم من «ناحية الرسوم بأشقائهم الأردنيين».
• التخطيط لإطلاق حملة واسعة تخاطب من خلالها العالمين العربي والإسلامي من أجل حثهم على فتح صناديق لدعم القدس وأهلها بالإضافة إلى حرصها على فضح الممارسات والانتهاكات الصارخة بحق الأرض والإنسان.
إن هذا المشروع الفكري الثقافي التربوي فوق أنه يعزز مفهوم الأخوة بين أبناء الشعب الواحد على ضفتي الشريعة، فإنه يسعى إلى إحياء مفهوم الأخوة بين أبناء الأمة كلها، خاصة وأن الجامعة وشركاءها في حملة سهم الوفاء للقدس يخططون لحث العالمين العربي والإسلامي على أداء جزء من واجبهما نحو مدينة أولى القبلتين وثالث الحرمين وكنيسة قيامة عيسى بن مريم، أي أن حملة سهم الوفاء للقدس تسعى إلى إعادة القدس إلى مكانها الطبيعي في قلوب وضمائر أبناء الأمة. وقد أحسن القائمون على المشروع عندما أصروا على مخاطبة ضمائر أبناء الأمة، لأن الضمير هو المحرك الرئيس لكل الأفعال، ولأنه مفتاح كل تغيير في حياة الشعوب وحركتها، لذلك كان خطاب الأنبياء والرسل ومثلهم كل المصلحين يتوجه إلى الضمير أولاً، ونحن في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا أشد ما نكون حاجة إلى صحوة ضمير تكون القدس بؤرتها ومحورها، فكل من يقرأ تاريخ هذه المنطقة من العالم يعلم أن القدس لم تكن في يوم من الأيام مجرد حجارة بنيت منها أسوارها ومساجدها وكنائسها، فلطالما هدمت هذه الحجارة وهدمت معها الأسوار والمساجد والكنائس، لكن القدس كانت جزءا أساسياً من ضمير الأمة الذي كلما تحرك صارت القدس بخير، فصحوة ضمير الأمة هي التي تحرر القدس وتعيد بناءها وتعيد مسجدها ، لهذا نقول أن ما اعلنت عنه الجامعة الأردنية وشركاءها في حملة سهم الوفاء للقدس هو فعل حضاري نرى تباشيره تلوح في الأفق، وظل علينا أن نعظم هذا الفعل الذي أُعلن في رحاب الجامعة الأردنية حتى يؤتى أُكله.
على أن الجامعة الأردنية لم تتوقف عند حدود التمني على العالمين العربي والإسلامي، فقد أرفقت التمني بخطوات عملية أخذتها على عاتقها، من خلال ما أعلنه رئيسها من أنشطة فكرية ستعيد القدس إلى بؤرة الاهتمام، ويكفي أن نشير هنا إلى جعل مادة القدس متطلبًا جامعياً على طلبتها، نأمل أن تحذو حذوها في ذلك كل جامعات العالم الإسلامي، لتستعيد القدس أحد أهم أدوارها في تاريخ هذه الأمة باعتبارها المدينة التي تتوحد الأمة حولها، وتسعى إلى تحريرها كلما استباحها غاضب ومحتل.
ومثلما أن الجامعة الأردنية من خلال مادة القدس التي ستدرس لطلابها تؤسس لاستعادة القدس لأحد أدوارها باعتبارها مدينة توحيد للأمة، فإن الجامعة ومن خلال مشروعها المعلن حول القدس تحيي دوراً آخر من أدوار القدس، فتأسيس الجامعة لمركز دراسات القدس يذكرنا بأن القدس كانت على الدوام مدينة علم وعلماء، ومدينة فكر وتفكر، والأدلة على ذلك كثيرة أبرزها كثرة المعاهد والمدارس التي نشأت في القدس، وفي كل مراحل تاريخها، بالإضافة إلى الاف العلماء الأفذاء الذين عرفهم تاريخ العلوم والمعارف في العالم، والذين تنتهي أسماؤهم بلقب المقدسي نسبة إلى القدس المدينة التي ينتسبون إليها مولداً أو علماً وتعلماً.
على أن أهم ما في مشروع الجامعة الأردنية أنه يؤسس لأول جهد علمي فكري حقيقي متكامل لإطلاق شعلة المقاومة الثقافية في الأمة، وهي المقاومة التي صارت الحاجة إليها أكثر من مُلحة، في ظل الاستلاب الثقافي الذي تعاني منه الأمة، والذي سبب لها خسائر فادحة في طليعتها وقوع القدس في براثن الاحتلال الذي يسعى لطمس هويتها الثقافية، ليأتي مشروع الجامعة الأردنية فيجعل من القدس محور مقاومة الأمة الثقافية التي لابد من أن تتعاظم بجهود الجميع ومساندتهم حتى تؤتى أكلها.
كثيرة هي الدلالات ذات المغزى الحضاري التي حملها مشروع الجامعة الأردنية، الذي أُعلن مع إعلان انطلاق حملة سهم الوفاء للقدس، وكلها تصب في إذكاء شعلة القدس في ضمائر ووجدان وعقول أبناء الأمة، وقد أحسنت الجامعة أن حددت يوماً في السنة لنصرة القدس نتمنى أن يكون محطة سنوية لإعادة شحن الهمم والعزائم وشحذ الأفكار، حتى تتحول القدس إلى محور للنهوض الحضاري للأمة الذي لن يتم إلا من خلال مشروع فكري نعتقد أن بذرته بذرت في أرض خصبة هي أرض الجامعة الأردنية، وما أدراك ما الجامعة الأردنية في ضميرنا الوطني. الراي