"فرملة" السياسة الإيرانية
29-05-2008 03:00 AM
لم نفهم بعد ما هي الأسس والركائز التي إستند عليها رئيس وأعضاء لجنة الشؤون العربية والدولية في البرلمان الأردني في هجومهم الأخير على السياسة الخارجية الأردنية. هل بُني الإحتجاج على ثوابت ومعطيات وتفاعلات سياسية عربية وإقليمية ودوليه أم أننا اكتفينا بإظهار عواطف ورغبات من دون الغوص في الأسباب والعوامل الفعلية التي أدت بحسب اللجنة إلى إنحدار هذا الدور.
معلوم لدى القاصي والداني بأن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للأردن يرسمها جلالة الملك عبدالله الثاني في المقام الأول وهو يقوم بدوره بحنكة ودراية منقطعة النظير ويحافظ في ذات الوقت على إرث كبير في مجال السياسة الخارجية خطه من قبله الملك الراحل الحسين بن طلال وهو الدور الذي جعل من هذا البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه وقلة موارده دولة لا يمكن القفز عنها أو تهميشها.
في السياسة الخارجية، المسألة ليست فقط أن نقول أننا نرغب بدور ما في قضية إقليمية أو دولية معينة ولكن الأهم هو أن نتمكن من الحصول على الممكن من هذا الدور مع الأخذ بالحسبان التجاذبات الإقليمية والمصالح الوطنية التي تبنى عليها السياسة الخارجية في الأساس.
ولندخل في صلب الموضوع، فالمنطقة تعيش ثلاث صراعات إقليمية: فلسطين ولبنان والعراق. كل هذه الصراعات يدخل فيها دور إيراني كبير. وهنا أساس الخلل حيث ان دولة غير عربية تسمح لنفسها وعبر حلفائها بتقرير شكل الخارطة السياسية في هذه الدول وحتى في المنطقة. لا بل يريد الساسة الإيرانيون أن يجعلوا من طهران ولو بالقوة عاصمة القرار الإقليمي. فها هي تحتضن المسؤولين من حماس وحزب الله وسوريا صباح مساء ويقوم وزير خارجيتها بجولات مكوكية على الزعماء اللبنانيين في قصورهم وداراتهم كلما سنحت له الفرصة. اليس من المفارقة ان يكون منوشهر متكي أول مسؤول في المنطقة يصافح الرئيس اللبناني المنتخب العماد ميشال سليمان في قصر بعبدا في اليوم التالي لتنصيبه!. وإذا إعتبرنا ان لقاء الرئيس اللبناني في أول دقيقة من تسلمه لمهام عمله مؤشرا مهما في مستقبل الأحداث في لبنان، لماذا لم يكن هذا المسؤول اردنيا أو مصريا أو سعوديا أو على الأقل الأمين العام لجامعة الدول العربية لنظهر ان لبنان سيبقى في أحضان العرب.
هذا الأمر ينسحب على الملفين الفلسطيني والعراقي. فطهران لن تسمح، ومن خلال دعمها لحماس، بإنجاح اي دور أردني أو حتى عربي لأي جهود للمصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين. وكلنا يعرف الجهود التي قامت بها السعودية في إتفاق مكة المكرمة بين فتح وحماس، إتفاق ما كاد يجف حبره حتى إندلعت إشتباكات في غزة في اليوم التالي. وفي الشأن العراقي، لا داعي أن نخوض في التفاصيل فالكل يعرف مدى تغلغل السياسة الإيرانية في بلاد الرافدين.
وبإختصار، فشل إظهار الدور الأردني في إتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية ليس بسبب تقصير أردني وإنما يعود إلى تصميم وعدم رغبة المعارضة اللبنانية وبتوجيهات من طهران في أن تلعب عمان هذا الدور وحصره على سوريا وإيران. أما قطر فتبنت موقفا مشرفا تمكن من لم شمل العائلة اللبنانية مستفيدة من حسن علاقاتها مع الأطراف كافة.
أما فيما يتعلق بعقد مؤتمر للمصالحة بين فتح وحماس تحتضنه الأردن، فهذا شبه مستحيل في الوقت الراهن لإن الأردن وقف وسيقف دائما إلى جوار الشرعية التي تقتضي عودة حماس عن إنقلابها في غزة وهذا لن يحصل لإن ذلك ليس من مصلحة إيران أن تفقد إحدى أوراقها. وأخيرا ليس فقط سياستنا الخارجية يراد لها التهميش وإنما مجمل السياسة الخارجية العربية هي على المحك أمام الهجمة الإيرانية التي سنتمكن من فرملتها بعون الله.