ثمة من الدلائل ما يكفي للبرهنة على «فاعلية» و»جدية» الضربات الجوية والصاروخية السورية ضد أهداف للجماعات الأصولية المسلحة، الأمر يطرح أسئلة وتساؤلات، حول «فاعلية» و»جدية» و»جدوى» الضربات الجوية التي وجهتها الولايات المتحدة وطيران التحالف ضد أهداف لـ «داعش» وغيرها في سوريا ... بدا واضحاً تماماً أن الفارق بيّن في الحالتين، وأن من يحارب باستراتيجية احتواء الأزمة وإطالة أمدها، ليس كمن يقاتل باستراتيجية للحسم، مدفوعاً بسباق جدي مع الزمن ... واشنطن، التي اعترف رئيسها بعدم امتلاك استراتيجية في سوريا، قدمت نموذجاً للحالة الأولى، ورسيا التي يمتلك رئيسها رؤية استراتيجية واضحة، يمثل الحالة الثانية، بصرف النظر عن مدى صحة أو أخلاقية كلا الموقفين.
أكثر من عام من الحرب على داعش في سوريا، لم يتزحزح التنظيم قيد أنملة عن الأراضي التي سيطر عليها، ولولا البسالة فائقة النظير، التي ميزت قتال أكراد سوريا دفاعاً عن مناطقهم، لأمكن القول إن داعش، وبرغم التحالف الستيني، ظلت باقية وتتمدد.
الوضع في العراق، يبدو مختلفاً من منظور أمريكي، هناك نجحت القوات الأمريكية تكتيكاً، في زحزحة داعش عن بعض المناطق التي احتلتها، تارة بدعم الجيش وتوفير الغطاء الجوي له، وأخرى بتخصيص هذا الدعم وتلك التغطية لقوات «البيشمركة» الكردية ... لكن في سوريا، وفي ظل ضعف المعارضة «المعتدلة» وتشتتها، وبعد تآكل الجيش الحر وذوبانه في فصائل جهادية مصطرعة، ومع إحجام قوات التحالف عن تقديم أي دعم من أي نوع
للجيش السوري، بدا أن «المنجز» المترتب على أكثر من عام من الطلعات الجوية، متواضعٌ للغاية.
تطرح هذه النتيجة أكثر من علامة استفهام ... لماذا تفعل الولايات المتحدة ذلك، هل لنقص في الإدراك، أم لرغبة في الانتظار، وماذا تنتظر الولايات المتحدة في سوريا ومنها؟ ... هل تنتظر استكمال تدريب «جيش المعارضة المعتدلة»، وهل ثمة من أفق لهذه المهمة أو جدول زمني محدد لها، أم أن الأمر مفتوح، لا حدود له في الزمان أو المكان؟ ... هل كانت الولايات المتحدة «تُشاغل «داعش» في شمال شرق سوريا، للتغطية على تقدم النصرة وأحرار الشام وغيرهما من فصائل المعارضة «المعتدلة» على جبهات شمال غرب سوريا؟ ... هل كان التريث في اجتثاث داعش يستهدف حشر النظام في أضيق الزوايا، أم أن الأهداف كانت أبعد من ذلك وأكثر طموحاً، كأن يُتخذ من إطالة أمد الحرب، وسيلة لتفكيك النظام السوري وإنهاكه، وجعل أمر سقوطه أو إسقاطه في متناول خصومه؟
روسيا أدركت أن حرب واشنطن المفتوحة مع الإرهاب، والتي قال مسؤولون عسكريون أمريكيون، إنها قد تستمر لعشر أو عشرين سنة قادمة، إنما تستهدف «القضم المتدرج» لمواقع النظام ومساحاته الجغرافية، وتمهد لإنهاكه وإسقاطه، سيما بعد اقتراب المواجهات العسكرية في الآونة الأخيرة من عمق النظام ومأمنه وقلبه الحيوي النابض: العاصمة والساحل مروراً بمناطق الوسط.
عند هذه النقطة بالذات، وتحديداً بعد سقوط إدلب وجسر الشغور في أيدي القوات المعادية للحكومة في دمشق، بدا أن قراراً استراتيجيا قد اتخذ في موسكو، وان الأخيرة ستمضي في حربها على «داعش» والإرهاب حتى نهاية الشوط، كما بدا واضحاً أن الدولة الأعظم الثانية، قررت الخروج مرة وإلى الأبد، من دائرة «الابتزاز» الغربي/ الأطلسي، وأنها ستكشف دفعة واحدة، عن أهدافها ونواياها السورية، بما فيها حماية الأسد (أقله إلى حين) وإبقاء نظامه ومطاردة داعش والجماعات الإرهابية.
التدخل العسكري الروسي الكثيف في مجريات الأزمة السورية، وضع حداً لهذا السيناريو ... الأزمة السورية، قبل التدخل، وبالأخص بعده، لم تعد توفر للأطراف المنخرطة فيها، ترف الانتظار والتلهي بإدارة الأزمة بدل حلها ... التهديد الإرهابي وتزايد مخاطر الهجرات الواسعة صوب أوروبا، وتفاقم احتمالات الصدام المباشر بين الدول المتورطة في هذه الأزمة، وهي كثيرة، جميعها عوامل ستدفع شئنا أم أبينا، كافة الأطراف للتفكير بالجلوس على مائدة التفاوض والحوار، توطئة لاجتراح حل سياسي، يجمع الجميع، على أنه المخرج الوحيد الممكن من الاستعصاء السوري.
لكن شروط الحل السياسي المُشتهى هذا، ما زالت موضع خلاف وتباين بين الأطراف، كما أنها لم تنضج أو تكتمل بعد، النظام السوري وبعض حلفائه من معسكر «المقاومة والممانعة» يفضلون إرجاءه حتى إنجاز «الحسم العسكري» ... بعض حلفاء واشنطن في المنطقة، يراهنون على إنهاك روسيا في سوريا كما أنهكت إيران وحزب الله من قبل ... الروس وحدهم أصحاب المصلحة في إنجاز اختراق عسكري، يمكنهم من إنجاز اختراق سياسي، يعطي معنى لتدخلهم الكثيف، ويوفر مظلة وشبكة أمان، لقواتهم المسلحة، سواء قررت الانسحاب على نحو سريع من سوريا أو قررت البقاء كلياً أو جزئياً لفترة أطول... فلمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف، وأي فريق سينجح في ترجيح حساباته وأولوياته في المرحلة القادمة؟ ... سؤال برسم التطورات القادمة.
الدستور