في لقائه وجهاء وممثلي المخيمات في المملكه , أعرب جلالة الملك صراحة عن إستغرابه من تفاجئ بعض الجهات بمشروع قانون الإنتخاب الجديد , وهي جهات لم يسمح أدب الملوك بتسميتها عيانا , إلا ان ذلك لا يعيي أي متابع للتعرف عليها , فمواقف الجميع تقريبا من سياسيين وفعاليات واحزاب ومهتمين , باتت معلنة ومعروفة إلى حد كبير , على أن مواقف رؤساء حكومات سابقين من هذا القانون , ربما كانت الأكثر إثارة للتساؤل , إلى جانب مواقف احزاب وفعاليات أخرى لطالما عارضت وإنتقدت القانون الحالي , أو ما يعرف بقانون الصوت الواحد .
القانون المنظور في البرلمان حاليا , ينطوي على حكمة وبعد نظر , فهو يؤسس إستراتيجيا , لنهج تشاركي بين سائر الاردنيين بلا إستثناء , للإنخراط عمليا في إدارة وتولي الشؤون العامة للدولة والوطن تشريعيا وتنفيذيا , ويتيح الفرصة كاملة لمن يرغب بالمشاركة لأن يشارك , أما من يؤثر غير ذلك , فهذا شأنه , لا شأن سواه , وهو أي القانون , ينطلق في مقاربته ألإستراتيجية تلك , من واقع الوطن الاردني وخصوصياته السياسية والإجتماعية والجيوسياسية وظروفه الإقليمية والدولية , وحاجته الماسة إلى مأسسة وحدته الوطنية وتصليب لحمته الاجتماعية في مواجهة طوفان من التحديات التي لم تتوقف منذ نشوء الدولة , ولا أحد يمكنه التنبؤ بمآلاتها الراهنة التي تنذر بمخاطر كبرى على واقع الإقليم بمجموعه .
عندما تستفحل التحديات وتصبح قدرا في حياة الاوطان كما هو حالنا في الاردن منذ نشوء الدولة وإلى زمن مجهول غير منظور , وعندما تشتعل الحرائق في محيطنا ولا نرى أملا في إخماد وشيك أو حتى بعيد منظور لها , نعم , عندما يكون هذا هو الحال الماثل للعيان , وعلى نحو لا يغفله او يتعامى عنه ذو بصر وبصيره , فإن الحاجة تغدو أكثر من ملحة إلى ( تكبير الحكي ) لو جاز التعبير , والإرتفاع بالطرح والموقف والرأي إلى ما يجسد الوعي العام وبالذات من جانب النخب , بفظاعة تلك التحديات , وبحتمية ان نرقى بالفكر والتفكير إلى ما يجعلنا مؤهلين في نظر العالم قريبه وبعيده , للبقاء والصمود والمواجهة إن لزم الامر , وهذا يتطلب حتميا , ان نبتعد ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا , عن المناكفات والشحناء والتنظير المؤذي والانشغال بالفرعيات بدلا من حتمية ألإنشغال بما هو أهم وأكثر تأثيرا وأثرا في حياتنا ومستقبل بلدنا وحاضره على حد سواء .
من حق جلالة الملك أن يستغرب , فالذين طالبوا طويلا بالخلاص من قانون الصوت الواحد , ينتقد بعضهم اليوم القانون الجديد المتعدد الاصوات , والذين دافعوا كثيرا عن ذلك القانون الخلافي , يبدون سعداء كثيرا بقرب رحيله ,وبعضهم يذهب بعيدا حتى في إنتقاد القانون الجديد , وفي كل هذا مواقف متناقضة لا تحتمل شيئا آخر غير الإستغراب . القانون الجديد نواته جيدة ومتوازنه وينهي مثلبة المال السياسي ويكفل حق المشاركة لكل من يريد , مثلما ينسجم تماما مع واقع الاردن وخصوصياته الراهنة والتحديات الكبرى التي تتطلب صهر الناس معا في بوتقة واحد هي الوطن الاردني الواحد .