انشغل الرأي العام الأردني في اليومين الماضيين بالفيديو الذي تناقلته المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي ويظهر فيه نائب في مجلس النواب الأردني مع حراسه الشخصيين وشقيقه وهم يعتدون بالضرب على عامل وافد من جنسية عربية في أحد مطاعم منطقة العقبة الاقتصادية.
وفي بيان توضيحي أصدره شقيق النائب أكد فيه عدم مسؤولية شقيقه عن الحادثة واعترف بأن شقيقه النائب لم يكن راضياً عن التهجم على العامل، الأمر الذي أكده النائب في تصريحات صحفية لأكثر من موقع إخباري.
مصادر مقربة من السفارة المصرية وقنصليتها في العقبة أكدت أن متابعة قانونية حثيثة تجري للشكوى المقدمة من قبل العامل الوافد ضد النائب وأقربائه وحراسه، لاسيما بعد تصاعد الاستهجان الشعبي المصري لهذه الواقعة ورفض منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان اعتذار النائب عنها، هذه الشكوى التي من المتوقع أن تصطدم بعقبة الحصانة البرلمانية التي تحول دون مثول النائب أمام القضاء وفقا للمادة 86 من الدستور الأردني التي تنص: " لا يوقف أحد اعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سببٍ كافٍ لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فورا".
لن أتعرض في هذا المقال للحديث عن أسباب الاعتداء، ولن أستقصي من هو المذنب، ولن ألتفت أيضا إلى هل كان النائب مشتركا في الاعتداء أم أنه حاول ثني شقيقه وحراسه الشخصيين عن استهداف العامل الوافد، فكل هذا منوط بالجهات الأمنية التحقيقية، والتبرئة أو التجريم من مهمات القضاء الأردني العادل والنزيه، كما أنني لن أسير في ركب المتباكين على الحقوق الإنسانية العابرة للجنس والأصول والجغرافيا، ولن أكرر قصة (أبناء الأكرمين) و(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) التي حفظناها من موروثنا الديني والحضاري، لكن الذي يعنيني هنا أن أتساءل وبمرارة:
- لماذا يكون العنف اللفظي المتبوع بالعنف الجسدي هو ردة الفعل الأولى عند الغالبية؟.
- لماذا يصير كل حوار مرشحا لأن يتحول إلى سيل من الشتائم واللكمات فقط لأن الطرف الآخر يخالفنا الرأي، أو يرفض الخضوع لإرادتنا؟.
لقد قدم مجلس النواب السابع عشر، على مدار انعقاد جلساته، نموذجا حياً للعقلية التي تتمظهر غالباً بسلوك عنيف لأشخاص يفترض أنهم وصلوا لقبة البرلمان بسبب أنهم يملكون من أدوات الحوار والجدال والاحتجاج ما يجعلهم منمازين عن غيرهم من عامة الشعب، فمن حوادث الركل والصفع والتراشق بالشتائم إلى حوادث إشهار السلاح تحت القبة وإطلاق الأعيرة النارية التي أوقف على إثرها أحد النواب في مركز إصلاح بتهم الشروع بالقتل وحيازة سلاح ناري بدون ترخيص ومقاومة رجال الأمن العام وتصويت المجلس على فصل النائب، وتعليق عضوية نائب آخر وإيقاف مخصصاته المالية، وأغرب من ذلك حادثة إطلاق نائب النار على نائب آخر قاطع رئيس الوزراء وتهجم عليه كلامياً إبان قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية ورفض رئيسها العدول عن هذا القرار غير الشعبي.
والسؤال هنا: ما الذي يدفع نواب الأمة على حمل سلاح تحت قبة البرلمان؟ ممّ يخاف النائب في بلد الأمن والأمان ليستخدم حراساً شخصيين يرافقونه كظله ويقومون بالاعتداء والتهجم على كل من يظنونه مصدر تهديد لمستخدمهم؟ وإلى متى سيخرق القانون باسم القانون وعلى يد مشرعيه؟ وإلى متى سيبقى فنجان القهوة العربية هاضماً لحقوق لا تهضم عند كثير من الحضارات التي يفترض أنها لم تحمل على امتداد التاريخ مشروعا حضاريا وأخلاقيا كاللذين حملتهما أمتنا؟.
الجواب ببساطة هو: القانون، نعم القانون واحترامه واحترام حق الآخر بالتعبير والرفض دون خوف من طائلة الاعتداء أو التكميم والقمع.
باعتقادي أن عين الكاميرا الراصدة لمثل هذه الحوادث هي التي أعطتها بعدا شعبيا رافضا أسهم في خلق مزاج استنكاري أراد أن ينتصر للمعتدى عليه من المعتدي، فكثيرة هي الحوادث المشابهة التي تمر دون أن يلتفت إليها أحد فقط لأن الصدفة لم تلعب دورا في تسجيلها وشيوعها بين الناس، وهنا أضع استفهاما أخيرا بين يدي رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء الأكرمين: ألا ينطوي هذا الاعتداء على احتمالية إساءة العلاقات مع دولة (ليست أجنبية) بل عربية وتربطنا بها أواصر التاريخ واللغة والدين والجيرة وبناء الوطن؟ بالطبع لا أبحث عن إجابة بل أبحث عن حد أدنى من الحصافة وبعد النظر، وأتطلع لزمان نتمثل فيه مقولة (فولتير): "قد أختلف معك في الراي ولكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك".