تحديات الاستثمار في الاردن
المحامي الدكتور هيثم عريفج
07-10-2015 11:46 AM
اعتمد الاقتصاد الاردني منذ تأسيس المملكة على رافدين اساسيين، الاول الدعم الخارجي من مساعدات وهبات وقروض وتمويل المشاريع. اما الثاني فهو ما تحصله الدولة من ضرائب ورسوم بكافة انواعها.
اخذت المساعدات والهبات في السنوات الاخيرة بالتراجع بشكل كبير واصبحت غير كافية، اضافة الى ان القروض اثقلت كاهل الموازنات والدولة واصبحت عبئاً ثقيلاً يرتب مزيداً من الضغوط. وبذات الوقت فقد اثقل المواطن الاردني بالضرائب والرسوم وما يلتزم به تجاه الدولة حتى تتمكن الدولة من سد الالتزامات المتزايدة والتي ادت بالنتيجة الى تفاقم المديونية والعجز.
البديل العملي هو تشجيع الاستثمارات سواء محلية وهي محدودة نسبياً، او خارجية والتي تتطلب توفير المناخ المناسب لها. فقد سعت الحكومات المتعاقبة لتسويق الاردن لغايات جذب الاستثمارات الخارجية، الا ان العبء الاكبر كان من نصيب جلالة الملك الذي اعطى الكثير من وقته ودوره لتشجيع الاستثمار وتسويق الاردن في بادرة قل نظيرها من رؤساء الدول، بانياً ذلك على ما يملكه الاردن من طاقات بشرية وتطور في مجالات الحياة المختلفة من تكنولوجيا واتصالات وطرق ومدن حديثه بالاضافة الى عامل الامن والامان والذي يمتاز ويتفرد به الاردن في المنطقة. قابل المستثمرين شخصياً شارحاً فرص الاستثمار، بالاضافة الى ما قام به من عمل فريد بتمثيل فلم وثائقي ترويجي عن المواقع السياحية في الاردن والى غير ذلك من مجهود ، موجهاً تعليماته وتوجيهاته الى المسؤولين للعمل على تحسين البيئة الاستثمارية في الاردن وتشجيع الاستثمار.
جهود الملك واجهتها عقبات جمة أدت الى ضعف الاستثمارات برغم احترام العالم وتقديره لدور جلالة الملك وللاردن ورغبتهم في دعمه ، تجلت هذه التحديات بصغر حجم السوق الاردني بالاضافة الى ضعف القوة الشرائية محلياً مقارنة بدول مثل الخليج وقلة عدد السكان، وارتفاع اجور الايدي العامله ومدخلات الانتاج والضرائب نسبة الى الدول المجاورة، بالاضافة الى التحديات الاقتصادية والامنية التي تعصف بالمنطقة.
الا ان التحدي الاكبر هو عدم قدرة المسؤولين الاردنيين على تحقيق رؤى و تطلعات الملك وتنفيذ توجيهاته في التسهيل للمستثمرين ، اذ لعبت البيروقراطيا دوراً كبيراً في دفع الكثير من المستثمرين الى الانتقال الى بعض الدول المجاورة مثل مصر او حتى التخلي عن فكرة الاستثمار بشكل كامل بسبب التعقيدات التي يواجهها المستثمر، حيث اصبح الاردن من اصعب الدول من حيث الاستثمار في المنطقة. ومن الملاحظ ان التعليمات والانظمة المتبعة والتي تهدف الى تنظيم الاستثمار وضمان سير العمل ادت بشكل واضح الى عرقلة الاستثمار وتعقيد اجراءات ومتطلبات التسجيل والاستمرار في العمل . كما ان الموافقات الامنية والتقنية تاخذ الكثير من وقت المستثمر وجهده و امكانياته مما يجعلها عائقا يمكن تجاوزه بالقليل من التنظيم بحيث يتم الحصول على هذا الموافقات بصفة مستعجلة.
منطقة العقبة الاقتصادية ، تعد مثالاً صارخ على هذا الواقع الاليم، اذ كانت الفكرة من انشاء المنطقة هي العمل على جذب الاستثمارات الاجنبية وتشجيع قدومها للاردن ، وبرغم نجاح الفكرة في بداياتها، اذ كان يتم التعامل مع المستثمر يتم بشكل احترافي كما لو كان التعامل مع القطاع الخاص ، وكان هذا هو شعور موظفي منطقة العقبة الاقتصادية، بحيث تتم الاجراءات بسرعة ويسر .مما انعكس على الاستثمارات وعلى تطور العقبة و نموها.
هذا الامر لم يدم طويلاً، فبمجرد حدوث تغيير على الادارة تغيرت السياسات و الاجراءات ، كما تغيير طبيعة فكر الموظف في المنطقة من طريقة تفكير القطاع الخاص الى طريقة تفكير القطاع العام التي لا تتماشى مع فكر جذب الاستثمار، اخذت الاجراءات بالتعقيد شيئاً فشيئاً، وازدادت الممد ومتطلبات التسجيل والموافقات ، مما جعل المستثمر الاجنبي يحتاج الى ثلاث موافقات امنية تتطلب الواحدة منها خمسة عشر يوما ً، ناهيك عن متطلبات الشهادات الصحية للموقع والكشوفات والموافقات المختلفة، وغير ذلك من الموافقات الفنية والاجرائية مما جعلها بيئة طاردة لكثير من الاستثمارات و افقدها التنافسية مع الدول المجاورة.
نعلم جيداً ان الهدف من تلك الموافقات هو حماية الامن و التثبت من جدية الاستثمار ، وحماية التنافسية والمواطن و الاستثمارات الاخرى، ونحن نشد على ذلك لكن كل ذلك يمكن ان يتم من خلال دائرة واحدة وخلال وقت قصير، بحث يكون كل مستثمر بحجم معين من مسؤولية موظف واحد يعامله كعميل له . يقوم بالتحقق من كافة الامور واجراء اللازم خلال ثمان واربعين ساعه كحد اقصى، عندها نعطى المستثمر الانطباع بانه امام مؤسسات مهنية وعملية وان المسؤولين يحرصون على مصلحته ومصلحة الوطن، ونشجعه بالفعل على الاستثمار بالاردن واثقاً باستقرار التعليمات وثباتها.
نعم حتى ننافس الاشقاء في الدول العربية المجاورة الذين يمتلكون اسواق اكبر وايدي عامله ارخص ، ويعملون على تشجيع المستثمر ومنحه كافة التسهيلات والاعفاءات ، علينا ان نحذوا حذوهم في التشجيع وتيسير الاجراءات و تثبيت التعليمات والانظمه لضمان استقرار التشريعات والاجراءات ،فنكون بذلك اضافة الى ما نملكه من امن و طاقات بشرية متفوقين على المنافسين في هذا المجال. والاهم من ذلك ان نشعر كمسؤولين كما يشعر جلالة ان مصلحة الاردن والاردنيين هي مصلحه شخصية مهمه ونعمل من اجلها.