مريم تَرِث .. ومريم لا تَرِث
06-10-2015 10:21 PM
لا ترثُ الأردنيةُ المسيحيّةُ زوجها المسلم، وحُكماً هذا حقٌّ إنسانيٌّ لا تحظى به الأجنبياتُ غير المسلمات اللواتي يتزوجن من أردنيين مسلمين، وما أكثرهنّ، بعدما اغترب الأردنيون للدراسة أو العمل في العالم، خلال العقود الماضية.
"لا توارثَ مع اختلاف الدين، فلا يرثُ غيرُ المسلمِ المسلمَ". هكذا ينصُّ قانون الأحوال الشخصية الأردني لسنة 2010. وهو أكثرُ التشريعات المحلية تناقضاً مع الدستور، ومع كل العهود والمواثيق الدولية التي وقّعَ عليها الأردن.
يُفترضُ عند وضعِ الأسباب الموجبة لأي قانون أن يراعي الحلولَ المناسبة التي لا تُخلُّ بمبادئ المساواة والعدالة للمشكلات والاختلالات القائمة، فضلاً عن عدم الانتقاص من معيار المواطنة الذي يُشكل أساساً وحيدا لتعاملِ الدولة مع المواطنين.
أنْ تكونَ الأردنيةُ مسلمةً او مسيحيةً، أو من ديانة أخرى، أو تؤمنُ بأيّ معتقد آخر، فهذا شأنٌ يجب ألا ينتقصَ من مواطنتها وحقوقها وإنسانيتها. فغيرُ المسلمة، وأخصُّ المسيحية تزوّجت من مسلم، بموجب القانون، وهي تتحملُ أثقالاً اجتماعية وضغوطات شديدة، تصلُ أحياناً إلى مقاطعتها ونبذها، ثمّ يأتي القانونُ ويُضاعفُ من معاناتها بحرمانها من ميراث زوجها وابنها.
إذا كان ذلك يحدثُ في دولٍ دينية متشددة أو محافظة في المنطقة والعالم الإسلامي، فلا يجبُ أن يكون له مكانٌ في بلادنا، فالتنوع السكّاني والدينيُّ مصدر قوة وثراء لنا، وَنَحْنُ عندما نقبلُ بالتمييز ضدّ أردنية، ونضعُ نصّاً قانونياً صريحاً يحرسُ هذا الاختلال ويعززه ثقافياً، فإننا نقعُ في فصامٍ مَرَضيٍّ خطير.
قانون الأحوال الشخصية يَقُولُ صراحةً للأردنية المسيحية التي يحرمها من حضانة طفلها عند بلوغه السابعة إنّ ثمة عقوبات لأنكِ تزوجت مسلماً، فأنت لا ترثين، إلا إذا غيّرتِ دينكِ. ولا يجدُ القانونُ حرجَا في أنْ يقولَ للأميركية والكندية والأوروبية والآسيوية المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية لا تتزوجي أردنياً مسلماً، إلا وأنت تعلمين أن قوانين بلادك المدنية لا وزنَ لها عندنا. فإذا كان زوجك يرثكِ في بلادكِ، فأنتِ ببساطة لا تتمتعينَ بهذا الحق!
يقررُ الإمامُ أبو حنيفة النعمان الذي عاش قبل 1248 عاماً حقوقَ الأردنية غير المسلمة في قانون الأحوال الشخصية الأردني الذي يصفها بـ"الكتابية". ومع تردد الفقهاء وعجزهم التاريخي عن إصلاح فقهي، يتكيّفُ مع متطلبات العصر، فمن الضروريّ أن تعالج الإرادةٌ السياسيةُ في الأردن هذه المعضلات، عبر تعديلاتٍ تكفلُ قيمَ المواطنة، وتجسّدُ النصّ الدستوريّ القاطع الذي نضطرُ دائماً للتذكير به: "الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العِرْق، أو اللغة، أو الدين".
مَرْيَمُ المسلمةُ ترثُ زوجها وابنها، ومريمُ المسيحيةُ لا ترثُ. هذا ما يجب أن ينتهي سريعاً في بلادنا. ودائماً ثمة أمل..