وصف السياسي المخضرم، الرئيس عبدالرؤوف الروابدة، مشروع قانون الانتخاب العام بالقائمة النسبية المفتوحة، بأنه "بلا أب ولا أم.." ؛ إنه وصف بليغ ليس للمشروع ذاك، فقط، بل وللمشهد السياسي الذي أنتج المشروع، والحوار حوله.
(1)
"بلا أب ولا أمّ.." لأننا بصدد قانون لا يعبر عن سياق إقليمي أو محلي؛ فكأن الأردن منبت الصلة بالبراكين والتحولات الاستراتيجية حوله؛ كأنه لا يقع بين فلسطين والسعودية، وبين العراق وسوريا... وكلها مناطق متفجرة، تجري فيها متغيرات متسارعة، تهمّش أو تقلّص حرية الحركة أمام قوى إقليمية كبرى، وتحضر فيها العملية التاريخية لاستعادة العالم المتعدد الأقطاب، وتتوكّل فيها روسيا، القضاء على الإرهاب التكفيري، وإعادة صوغ تركيبة النظام الإقليمي انطلاقا من التحالف الرباعي ( روسيا، سوريا، العراق، إيران؛) والدفع بمصر لتولي إعادة بناء النظام العربي، بينما تؤذن الحرب السعودية ـ اليمنية، باحتمالات بالغة الخطورة.
المخاطر والمكاسب الممكنة أمام الأردن ، هي ما ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للحكومة وأجهزة الدولة والنخب، وليس الانجرار إلى نقاش نظري حول مشروع قانون انتخاب نظري، صاغته أيدي هواة.
الزمن الحالي هو زمن التحديات الكبرى، لا زمن الحوار المحلي، الضيق الأفق، البدائي، حول قانون .. انتخابات، ربما تفرض علينا الأحداث، ألا نجريها، بل ربما تفرض أكثر، أن نضطر إلى حكومة عسكرية لمواجهة ملف الإرهاب والفكر التكفيري والتنسيق الأمني مع الجوار واستيعاب ما قد يحصل من انهيارات غير متوقعة في دول إقليمية كبرى، ومواجهة التحدي الإسرائيلي الضاغط على البلاد في عدة ملفات، أهمها ملف تلاشي مشروع الدولتين.
لا أعرف من أين تأتي النخب بكل هذا الجليد الفكري والعاطفي، لكي تتساجل حول مشروع قانون انتخابي، بينما تشتعل الأرضين من حولنا من كل اتجاه، وبينما نستعد لاستضافة ما يزيد عن مليون لاجئ سوري، بينهم ما لا يقل عن مئة ألف لاجئ فلسطيني ـ سوري، وربما أكثر، وعشرات الآلاف من مخرجات الحرب السورية...
(2)
" بلا أب ولا أمّ..." لأنه لا يعبر عن تسوية ناجزة أو مقترحة لمشكلات الديموغرافيا السياسية، والمواطنة، والهوية الوطنية للدولة، والحل النهائي للقضية الفلسطينية ... ؛ أيظنّ الهواة أن بإمكانهم القفز نحو قانون انتخاب يكرّس صيغا سياسية دائمة في وضع سياسي متحرك؟
(3)
" بلا أب ولا أم .." لأنه مزيج مما يريده العقل الأمني ( إعادة انتاج الصوت الواحد) وما يريده العقل التوطيني الليبرالي الأميركي. وبسبب هذا المزيج بالذات، يظن الهواة أنهم يسترضون، في آن معا، الأمنيين ومحترفي النيابة والإصلاحيين المرتبطين بالسفارة الأميركية من دعاة التوطين السياسي الخ
هذا لا يعني أن لمشروع قانون القائمة النسبية المفتوحة، العديد من الآباء، كما يتوهم الهواة؛ بل يعني أن لا أب له حقا، وليس له أمٌ لأنه يتجاهل حيثيات الوطن وتركيبه الأساسي وديناميات مجتمعه والحقائق الاجتماعية السياسية القائمة في تاريخه وعلى أرضه.
(4)
" بلا أب ولا أم.." لأنه لا توجد قوة حقيقية قادرة على الذود عن قانون انتخاب مغامر، لا أحد يستطيع أن يضمن نتائجه الكارثية في اليوم التالي. ولن أزيد؛ إنما قالوها في الأمثال: العقل زينة.