نشرت (عمون) مجمل ملاحظات رؤساء وزراء سابقين حول مشروع قانون الانتخاب المنظور في مجلس النواب , وهي ملاحظات تصدر عن شخصيات لديها الكثير لتقوله بهذا الشأن , بإعتبار انها كانت قد تولت زمام الولاية العامة للدولة في حقب مختلفه .
لا نناقش تفاصيل ما نسب إلى هذه الشخصيات المحترمة وما عرضوه من ملاحظات فرعية ذات قيمة وأثر , لكننا نلحظ وبوضوح تام , ان وجهات نظرهم لم تبتعد كثيرا عن آراء فئات سياسية حزبية تفترض ان المملكة الاردنية الهاشمية لا تمتلك أية خصوصيات سياسة أو إجتماعية أو جيوسياسية تمنحها وضعا خاصا بها , وبالتالي فهي والإتحاد السويسري او السويد وغيرهما من بعض دول الغرب التي تأخذ سياسيا بمنهجية الحزب الحاكم , متساوون ومتماثلون في الظروف العامة والخاصة التي تؤهل كلا منهم لمقاربة مسعى الحكومات البرلمانية وبالسوية ذاتها لكل منهم .
ينسى بعضنا ربما في غمرة ( المبالغة ) الحزبية والسياسية المدنية في المطالب , أن لا أحد على ارض المملكة سيكون سعيدا بهيمنة حزب بعينه أو تيار إجتماعي أو حتى سياسي على منظومة الولاية الحكومية بمفرده دون سواه , وأن شيئا من ذلك في الزمن الراهن المثقل بالتحديات الداخلية والخارجية على حد سواء , سيكون ترفا سياسيا في بلد يفتقر الى النضج المطلوب إبتداء للحياة الحزبية والثقافة السياسية الديمقراطية التي يمكن ان تقبل او تتقبل حكومة من لون واحد , او حتى من جغرافيا اكثر من سواها أو دون غيرها .
مشروع قانون الانتخاب المقترح , هو وثيقة من الواضح انها تعي هذه الحقيقة الناصعة في حياتنا السياسيه , ولهذا , فقد تم تصميمه بعناية تامة تصون مبدأ التشاركية في الحكم , وتفتح فرصا رحبة لكل الراغبين بالمشاركة لأن يكون لهم فيها نصيب , فألاردن بظروفه الموضوعية الراهنة , كان وما زال ويبقى سعيدا بتأصيل الشراكة في إدارة الشأن العام للدوله , والعكس صحيح تماما , وليس بعيدا عنا ما جرى في تشكيل حكومة أغفلت الجغرافيا لرقعة من الوطن , فما بال الديمغرافيا إذن لو حدث وغيبت الديمقراطية جزءا منها عن المشاركه , ثم ,ألسنا مرغمين على الإحتكام إلى نظام الكوتا لضمان مشاركة عادلة برغم تحفظنا جميعا على نظام كهذا .
من المبكر كثيرا الذهاب بعيدا في الحلم والمطالبة بقانون إنتخاب يهيء الفرص لحكومات الحزب الواحد , او حتى الائتلاف الحزبي الذي قد يحيد او يغيب فئة او شريحة من الاردنيين عن المشاركة في الحكم , ويقينا فإنن القانون المعروض متحوط تماما لضمان المشاركة الاوسع والغياب الاقل .
كنا نتطلع إلى جرأة أكبر في الطرح , وعلى نحو يقول صراحة لسائر الداعين لمساواة الاردن بالسويد مثلا على هذا الصعيد , بأن الاردن هو الاردن بخصوصياته التي تحدد جوهر وملمح قانون سيادي كقانون الانتخاب , وبأن الشعب الاردني وبكل فئاته , هو اشبه ما يكون بأسرة لكل عضو فيها دور في الحكم , وكل حديث مبالغ فيه عن حكومات ظل ومعارضة راشده على نحو ما يقول المنظرون , هو حديث لا يتواءم ومصالح الاردن وظروفه الراهنة , لابل هو نوع من نرجسية سياسية حالمة في الزمن الراهن على الاقل , ولا أبالغ إن قلت هي لعب بالنار في وقت عصيب حرج .
رؤساء الحكومات السابقون ناقشوا كما قرأنا نصوصا مكتوبة , في وقت كنا ننتظر منهم , مناقشة روح القانون وسياقاته وفلسفته ومراميه القريبة والبعيدة على حد سواء , ومدى إنسجامه كحزمة واحدة مع المصالح العليا للوطن , وبالذات مصلحة الاردنيين جميعا في المشاركة التي تشعر كل مواطن بأنه جزء من منظومة الحكم لا على هامشها او خارج سياقاتها . القانون المنظور ذو فلسفة وحكمة وبعد نظر , فقط طوروه إجرائيا لا جوهريا , ففيه ما يعزز سلامة لحمتنا المجتمعية وما يصون وحدتنا الوطنية ويغلق الابواب امام المال السياسي , والاهم , ما يجسد حقيقة اننا جميعا شركاء في وطن موحد , ومنظومة حكم واحدة رمزها ملك يحكم بموجب دستورعريق , والله من وراء القصد .
بإختصار كنت كمواطن متابع , بإنتظار ان اسمع من رؤساء الحكومات السابقين الذين دافعوا طويلا عن القانون السابق , كلاما اكثر واقعية في شرح ظروف البلد وخصوصياته التي تملي مصلحيا , الترحيب بما هو معروض مع تعديلات غير جوهرية , وبصورة تعزز حالة التشاركية في الحكم تحت مظلة الدستور الذي يجلي صلاحيات راسخة للملك رأس الدولة , ليس ترفيا او عبثيا , وإنما لحكمة تتطلبها ظروف الاردن وخصوصياته التي لا يملك التعامي عنها راشد يدرك الحقيقة ويقول الكلمة الحق .