هيبة الدولة .. بين الشعار والتطبيق والتحديات !
رجا طلب
06-10-2015 12:50 AM
شاع مصطلح «هيبة الدولة» منذ منتصف التسعينيات وأصبح جزءا من خطاب النخبة الأردنية والأحزاب السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني التي كانت آخذة في التبلور، ولاحقاً أصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطاب الرسمي للحكومات المتعاقبة، ودار وحسبما أذكر مع بدايات صعود المصطلح إلى قمة استخدامه جدلاً هو ماهيته، وأثيرت أسئلة متبادلة بين قوى محافظة من جهة وأخرى معاكسة لها من ليبرالية وتقدمية وثورية وفوضوية مشاغبة من جهة أخرى، وكان أبرز تلك الأسئلة ما معنى هيبة الدولة؟
وفي الجواب كانت القوى المحافظة والتقليدية ترى أن هيبة الدولة هي قوة الدولة ومدى قدرتها على استخدام تلك القوة بلا رقابة أو محاسبة عندما ترى في ذلك ضرورة وهو ما يعني «بطش الدولة وليس هيبتها»، فيما كانت الأطراف الأخرى ترى أن هيبة الدولة هي في إعمال القانون وتنفيذه على الجميع عملاً بشعار «لا أحد فوق القانون»، وعندما تستدعي الحاجة للتعامل مع من يرفض تنفيذ القانون، هنا تكون الهيبة أمنية مائة بالمائة مع مراعاة حقوق الطرف الآخر المستنكف عن تنفيذ القانون.
في التجربة نجحت الدولة بفرض هيبتها بشقيها، اعمال القانون وتنفيذه بقوة القانون وعبر الأجهزة المعنية، ولكن علينا الاعتراف أن هناك تراجعاً مرعباً في هذه المسألة في السنوات الأخيرة وتحديداً تجاه الشركات المستثمرة المحلية أو الأجنبية، والتي تتفاجأ بأن هناك من هم في محيط استثمارها من المجتمع المحلي الذين يعتبرونها مُعتدية على أراضيهم ويطالبونها إما بالرحيل أو بشروط اقتصادية مجحفة وكأن هذه القوى المحلية أصبحت هي الدولة أو دولة داخل دولة.
الأمثلة كثيرة وسمعت قبل أيام من رجل دولة عريق وابن عشيرة كبيرة قصة تدلل على مدى التراجع في تطبيق القانون بحق من يعتدون على حقوق شركات استثمارية وطنية وأجنبية باسم الواجهات العشائرية.
يقول الرجل أن صديقاً له أستنجد به لإنصاف شركته الوطنية التي تعمل في الجنوب وفي مجال التطوير العقاري والتي تم تعطيل أعمالها وطرد معداتها وعمالها من مناطق العمل تحت عنوان «الواجهات العشائرية» فقام الرجل بإبلاغ شكوى صديقه إلى وزيري داخلية تعاقبا في المنصب ولكنهما فشلا في تنفيذ القانون وإحقاق الحق لأصحابه والمتمثل بحق الشركة الوطنية التي حازت ووفق عقود مع الدولة على استثمار وتطوير أراضي في إحدى محافظات الجنوب.
والسؤال المهم هنا كيف يمكن لنا أن نستقطب الاستثمار في ظل هكذا أجواء، وكيف يمكن لمستثمر أردني أو غير أردني أن يشعر بالأمان تجاه مشروعه الذي يُهدد بالحرق أو بالتخريب أو بقتل العمال أو إغلاق المصنع أو ما شابه؟
كل هذا يجري في الوقت الذي ينادي به جلالة الملك بجلب الاستثمار ونرى أن بعض المسؤولين عن تنفيذ هيبة القانون وبالتالي هيبة الدولة يتقاعسون ومنهم من يخاف من تلك الجهات وفقاً للمثل الشعبي القائل «يقولوا يسلم راسك ولا يقولوا الله يرحمك».
قمة الفشل أن تبقى مثل هذه الظواهر موجودة في دولة كالأردن، كانت العشيرة وما زالت عنصر الاستقرارالأول فيها ومنبع القيم والشهامة واحترام الحق وتنفيذه.
فالعشيرة والعشائرية هي حالة قيمية رفيعة الشأن ولم تكن يوماً حالة «عصبوية» أو « تعصبية»، أما من يريد حرف قيم العشيرة عن أصولها أولى بالعشيرة نفسها أن تلفظه والدولة أن تحاسبه.
من غير الممكن أن نتحدث عن دولة مدنية حديثة وفي الوقت نفسه تعجز هذه الدولة في الدفاع عن قيمها العليا في المساواة والحرية وتقديس القانون وتنفيذه.
إن هيبة الدولة لم تعد شعاراً أو مصطلحاً عابراً بل باتت قضية علينا جميعاً أن نسعى لإثباتها وتطبيقها على أرض الواقع، لأن خرقها هو خسارة للجميع بما في ذلك أولئك الذين يعتقدون أنهم فوق القانون ونِداً للدولة! الراي