"التشكيك والمشككون" مصطلح سيتم تداوله في المجالس وأحاديث النخب ووسائل الإعلام، وهذا أمر طبيعي بعدما أشار إليه الملك في خطاب ذكرى الاستقلال. لكن القضية ليست في المصطلح أو الحديث عنه أو مناقشته، بل في نهج يقوم على التعامل السريع ولغايات إظهار الاهتمام، وهذا الأمر تكرر مع قضايا مختلفة.
وما دمنا نتحدث في التشكيك، فمن الضروري أن نشير الى القضايا التالية:
1- إن هناك فئة لها موقف سلبي لا علاقة له بوجود إنجازات أو عدمه، بل ترى مبررات وجودها في القصف الدائم للدولة، ولا يتوقفون عند أي نقاط إيجابية. وهذا الموقف ليس مرتبطا بهذه المرحلة أو غيرها.
2- إن مسؤولية كبيرة تقع على أصحاب المواقع في الحكومات وغيرها. فهناك عجز وضعف في تقديم الإيجابيات أو الإنجازات أو الدفاع في حال الاتهامات. فالمسؤول يتعامل باعتباره مهما، بل وكأنه مدان مسبقا، ونسبة قليلة مَن نجده من المسؤولين يتحدث بثقة وقناعة.
وهناك فرق بين مسؤول يتحدث عن إنجازات وزارته أو دائرته، هذا قد تجده مع فروقات في الكفاءة، وهناك الحديث عن الصورة الشاملة، وهذا النوع يحتاج الى كفاءة سياسية وحضور وثقة في النفس، وليس حفظ مجموعة أرقام أو إشارات الى عدة نقاط، لكن بالمجمل هنالك ضعف في أداء فئات واسعة من المسؤولين في توضيح الصورة وتقديم الإنجاز، لأن الحديث عن الإنجازات أصعب بكثير من النقد أو الحديث عن السلبيات.
3- وأحيانا هناك مسؤولون يتهربون من الدفاع عن مسار حكوماتهم، بل حتى عن الدولة، فهل هذا لعدم القناعة أم لضعف القدرات أو ربما لأن أحدهم لا يريد حمل عبء الدفاع عن الحكومة أو الدولة.
4- ونشير الى أن نوعيات ممن أصبحوا من أصحاب المواقع، ذات خبرة متواضعة جدا سياسيا، وليست ذات حضور شعبي أو كفاءة فنية متميزة. ولهذا يريدون الحفاظ على وجودهم بالابتعاد عن أي مواجهات او اقتراب من الناس أو حتى الإعلام.
5- أما الإعلام فهو ناقل لإنجازات الدولة، ويقدمها لكن لا يمكن للإعلام أن يفعل هذا إذا كان المسؤول ضعيفا أو مختبئا أو متهربا, أو إذا كان كل مسؤول يعمل للدفاع عن نفسه وليس عن الدولة أو حتى الحكومة.
الإعلام جزء من عملية، لكنه غير قادر على نفخ الروح في مسؤولين لا يتقنون عملهم, ولا أن يكون مندوبا عن مسؤولين لا يؤدون واجبهم.
والإعلام يحتاج الى معلومات حقيقية, ويحتاج الى أن لا يدفع ثمنا مع الناس مقابل الدفاع عن سياسيين لا يعرفون تسويق أنفسهم. وحتى بعض السياسيين عندما يتحدث بقضايا هامة يشترط أن تكون ليست للنشر وأن لا يتم الإعلان حتى عن اللقاء, ولهذا مهما كانت القضايا هامة فإن الحديث بها الى عدة أشخاص لا يقدم ولا يؤخر.
6- إن عملية التنازع والشد بين بعض مراكز القوى في دوائر صنع القرار تحول بعض القضايا الكبرى الى قضايا شخصية، ويبدو الحديث فيها إنحيازا لطرف والدخول في الاستقطابات والخنادق. ولعلنا في هذه المرحلة نشهد مشهدا من هذا النوع، وكل مسؤول يستعمل ما لديه من نفوذ وأدوات بما فيها كاميرات تنقل أحداث مناسبة وطنية.
7- إن عملية تسويق إنجازات الدولة علم وفن وقدرات. فالشهيد الذي يذهب لقتال العدو في عملية استشهادية أصبح يظهر في شريط فيديو ويستعرض مهاراته في حمل السلاح ويوجه رسالته، مع أن الشهادة وقتال المحتل أمر يروج نفسه فكيف عندما نتحدث عن اقتصاد أو سياسة.
وأحيانا نفتقد الى عملية التسويق الشعبي للموضوع الاقتصادي المعقد, أما القضايا السياسية فالحديث فيها مكرر وذات العبارات, ولهذا نحتاج الى شفافية وتفاصيل تقنع الناس.
8- أما المثال الأخير وهو ما يقال عن بيع أراضي الدولة في دابوق. فالسؤال: من هو المسؤول الذي خرج على الأردنيين وتحدث إليهم بصراحة وصدق وشفافية؟ ومن هو المسؤول الذي قدم للناس رواية وطنية متكاملة؟!.
عندما لا يحدث هذا فمن الطبيعي أن تنتشر الإشاعات والأقاويل والشكوك والاتهامات التي تجاوزت الحكومة، فلا تلوموا الناس فالتقصير من المسؤولين.
والأردني يريد أن يسمع الحقيقة وأن تنقل اليه الإنجازات وأن يكون المسؤول موضوعيا وأن تتوفر رؤية للتعامل مع الإعلام تذكر السلبيات وتمارس النقد وتعطي للإنجاز حقه، عندها لن يبقى إلا من يحمل في قلبه موقفا سلبيا من الوطن، أو الذي يرى في السلبيات مبررا لوجوده وعمله السياسي.
sameh.almaitah@alghad.jo