في وقفة تاريخية لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسن حفظه الله امام المجتمع الدولي في نيويورك، خاطب جلالته العالم باسره وخاصة الدوائر السياسية والدبلوماسية والاعلامية الغربية، اضافة الى الدوائر الاقليمية والمحلية, وجاء الخطاب السامي طرحاً عملياً وقراءة دقيقة للمشهد الاقليمي والدولي والمخاطر والازمات التي تعصف بهذا العالم وخاصة منطقة الشرق الاوسط هذه المنطقة التي تربط العالم باسرة واهم مصدر من المصادر الحيوية لكافة الدول.

ان ما احتواه خطاب جلالة الملك حفظه الله من ملفات وما اشار اليه من قضايا وبؤر توتر, لا يمكن حصرها في مقال او كتاب لا بل تحتاج الى موسوعة. فقد جاء خطاب جلالة الملك شاملاُ وافيا متكاملاُ دقيقا مباشراً، الى درجة ان جلالته سمى الاشياء باسمائها ووضع النقاط على الحروف. وكما هو معروف للقاصي والداني قدرة جلالته على محاكاة المجتمع الدولي السياسي باللغة التي يفهمها والعقلية التي يعرف تماما كيف يتعامل معها، وهو العقل المفكر والفكر النير الذي ينشد الزعماء والقادة حكمته ونصيحته ويسترشدون ببعد نظره وعقلانيته.

لن اتطرق الى شمولية الخطاب والخطوات السبع التي تناولها جلالة الملك حفظه الله والتي تمثلت بـ :
1. العودة إلى الجوهر والروح المشتركة بين الأديان
2. تغيير لهجة خطابنا
3. ترجمة معتقداتنا إلى أفعال
4. تعظّيم صوت الاعتدال
5. كشف الزيف والخداع على حقيقته
6. التخلص من حالة اللامبالاة لأصحاب الفكر المعتدل
7. تفعيل التواصل سواء في أعمالنا أو مجتمعاتنا أو مدارسنا وسائر جوانب حياتنا.

فانا حقيقة لن ارقى الى الخوض في اعماق محيط هذا الخطاب الشامل في هذه الظروف الحالكة المعقدة والتي اختلط بها الحابل بالنابل والناعش والجاهل بالعالم. واصبح الفكر كفراً والكفر فكراً. و خاصة اننا في الاردن نقع في ثم العاصفة وما يتحمله الاردن لا تقدر دول عظمى على تحمله، ورغم كل التحديات والضغوطات التي يتعرض لها الاردن الا اننا وكما قال جلالة الملك حفظه الله فخورون بالعمل مع المجتمع الدولي لإطلاق مبادرات تبرز أهمية التسامح والحوار على مستوى العالم. وبالتالي فقد أطلق الأردن مبادرات عدة مثل "رسالة عمان،
وكلمة سواء، والأسبوع العالمي للوئام بين الأديان"، والاردن مستمر في هذا النهج.

ساتناول فقط الخطوة السابعة في خطاب جلالة الملك والتي تنص على تفعيل التواصل سواء في أعمالنا أو مجتمعاتنا أو مدارسنا وسائر جوانب حياتنا. فكما قال جلالة الملك حفظه الله:
"يحدد التواصل كيفية العيش والتفاعل، سواء في أعمالنا أو مجتمعاتنا أو مدارسنا وسائر جوانب حياتنا.

فقبل سنوات قليلة فقط، كان مفهوم شبكة التواصل الإلكتروني أو الانترنت محصورا بالاتصال بين أجهزة الكمبيوتر، فكان يقال "انترنت الكمبيوتر"، أما الآن فإننا نتحدث عن "انترنت الأشياء"، بمعنى أن الانترنت بات يربط بين جوانب كثيرة ومتنوعة من الحياة. لكن الأهم من كل ذلك هو مفهوم "انترنت الإنسانية"، والذي يتمثل في أعلى درجات التواصل الذي يوحد ضمائرنا ويجمعنا على قضية واحدة.

والسؤال الاول الذي اطرحة على مجتمعنا الاردني وعلى مؤسساتنا الحكومية من رئاسة الوزراء الى اخر ادارة حكومية، الى كل مؤسسات المجتمع المدني الى موسساتنا التشريعية وخاصة مجلس النواب والنقابات والاحزاب، لا بل على المستوى الاجتماعي والعائلي ايضاً.
اننا حقيقة نعيش ازمة التواصل، لا بل حينما نتواصل نفشل وتذهب ريحنا. فما هو مفهوم التواصل وهل نحن في الاردن نعي العناصر الرئيسة الثلاثة للرسالة والتي تكاملت في خطاب جلالة الملك حفظه الله بالمضمون الشامل لمفهوم الرسالة.

الأصل في كلمة التواصل هي مشتقة من كلمة اتصال بالعربية وكلمة Communication باللغة الانجليزية وكلاهما تدل على نفس المعنى ولكن نظرا لغزارة اللغة العربية فالمعاني اشمل. نحن عندما نتصل نحاول أن نخلق ألفة، أو جواً من الاتفاق مع شخص ما، أي أننا نحاول أن نشرك معلومات وأفكار واتجاهات الآخرين مع معلوماتنا، وأفكارنا، واتجاهاتنا، وهذا ما قام به جلالة الملك حفظه الله في خطابه الاخير في الامم المتحدة، أي أن الاتصال يجعل المرسل والمستقبل على موجه واحدة في مواجهة رسالة معينة.

والمدلول الاصطلاحي لكلمة (اتصال)، هو عملية تفاعلية ديناميكية دائمة الحركة تخضع لمؤثرات متغيرة أهمها التكامل والتفاعل في ظل الإمكانات، وهى لا تسير باتجاه واحد، بل هي عملية دائرية فهناك تبادل في الأدوار فالمرسل مستقبل، والمستقبل مرسل.

الاتصال عملية هادفة، لا يمكن أن تتم بين طرفين إلا إذا حدث تفاعل بينهما، يؤدى في النهاية إلى مشاركتهما في خبرة أو مهارة أو مفهوم أو عمل أو سلوك معين أو فكرة أو معلومة او موقف، وبالتالي فإن الاتصال هدفه التأثير عن قصد للحصول على استجابة معينة من شخص معين أو مجموعة من الأشخاص. وتبلور هذا المفهوم الراقي في الخطاب الاسلامي على لسان رسول الامة صلى الله عليه وسلم بقوله : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

أن التواصل هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. لذا، فالتواصل له وظيفتان: الاولى وظيفة معرفية تتمثل في نقل الرموز الذهنية وتبليغها زمانيا بوسائل لغوية وغير لغوية،والثانية وظيفة تأثيرية وجدانية تقوم على تمتين العلاقات الإنسانية وتفعيلها على المستوى اللفظي وغير اللفظي.

و السؤال الثاني الذي اطرحه هنا، هل المجتمع الاردني مجتمع متواصل ؟ هل هناك تواصل بين الحكومة والشعب ؟ وهل هناك تواصل بين دولة الرئيس ووزرائة ؟ام ان هناك نفر من الوزراء يشكل هالة رئاسية بذاته داخل مجلس الوزراء وهو في حل من مرجعية رئيس الوزراء ؟ هل هنالك تواصل بين مجلس النواب والحكومة ؟ هل هنالك تواصل بين النواب انفسهم في مجلس النواب ؟ هل هناك تواصل بين النواب وقواعدهم الشعبية ؟، هل هنالك تواصل بين امناء الاحزاب والاعضاء المنتسبين؟ هل هنالك تواصل بين النقابات المهنية ؟ هل هنالك تواصل بين المؤسسات التعليمية والثقافية ؟ هل هنالك تواصل داخل المجتمع باستثناء بيوت الاجر ودعوات النفاق لكبار المسؤولين... ومناسبات الفرح والجاهات والتي يطغى على بعض منها احياناً النفاق الاجتماعي والاسراف والتبذير ؟ هل هنالك تواصل داخل العائلة الواحدة وخاصة بوجود اجهزة الاتصال الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي ؟ هل هنالك تواصل بين المعلم والطالب وبين ادارة المدرسة والمعلم؟ هل هنالك تواصل بين البيت والمدرسة حتى بين البيت والجامعة ؟ هل هنالك تواصل بين الطبيب والمريض وبين الطبيب والصيدلاني ؟ هل هنالك تواصل بين شركات الاسكان وامانة عمان والتي ساهمت بقلب العاصمة من اجمل العواصم العالمية في العالم الى... المدن ؟ هل هنالك تواصل مع مديرية الحدائق في امانة عمان والتي قلبت حدائق عمرا الى ابراج خاوية وبن جيرانها ؟ هل هنالك تواصل بين وزارة الصحة ومحلات الاراجيل والمقاهي والتي كان لها الفضل بدخول الاردن سجل جينس كأكبر بلد في العالم في التلوث وأمراض السرطان وتعاطي المعسل و"غير المعسل " ونتائج المعسل على المستوى المجتمعي والوطني ؟ هل هناك تواصل بين وزارتي السياحة والداخلية بخصوص تراخيص النوادي الليلية والملاهي بين المساكن الاهلة بالسكان ؟ هل هنالك تواصل بين المواطن والمسؤول ؟ هل هنالك تواصل بين الابن ووالدة وبين البنت ووالدتها وبين الزوج وزجتة ؟

هل هنالك تواصل بين وزارة الخارجية " وشؤون الاردنيين العاملين في الخارج والتي اطلق عليهم وزير الخارجية "المغتربين "؟ وصفة الاغتراب تنظبق على معاليه وخاصة انه مغترب عن الاردن دائماً، حقيقة انهم ليسوا مغتربين انهم مجاهدين ووقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر وهو جهاد النفس.

هل هنالك تواصل بين السفارات الاردنية والاردنين العاملين في الخارج ؟ هل هنالك استجابة لطلباتهم ؟ هل تم تنفيذ التوصيات السابقة والتي صدرت في المؤتمرات السابقة ؟ هل قام وزير الخارجية بتنفيذ الارادات الملكية السامية بتخصيص اسكان لموظفي وزارة الخارجية ؟

هل هنالل تواصل بين دوائر وزارة الخارجية فيما بينها، وهل هنالك تواصل وتنسيق بين السفارات الاردنية والسفراء الاردنيون في الخارج ؟ هل هنالك تواصل بين الدبلوماسيين ؟ هل هنالك تواصل بين الدبلوماسيين والادارين في الداخل والخارج ؟هل هنالك تواصل بين وزير الخارجية والامين العام ومدراء الدوائر داخل الوزارة ام انهاعلى سياسة " ون مصل شوت "؟ هل هنالك تواصل بين وزير الخارجية وزملائه الوزراء بما يتعلق بمصالح الاردن الاقتصادية والتجارية ؟هل كانت هنالك شفافية ونزاهة في تعيين الملحقين الدبلوماسيين الجدد بعيد عن الواسطة والمحسوبية ؟ هل كانت هنالك لجنة حيادية لا تخضع لسلطة وزير الخارجية وامتحانات تم اعدادها وتصحيحها من قبل اساتذة محايدين اكفاء في الجامعات الاردنية مع اعطاء المتقدمين ارقام غير مكشوفة ؟ هل من تم اختيارهم بشفافية ؟ ام ان تعينهم تم كما تم تعين نفر من ابائهم سابقُا في وزارة الخارجية ايضاُ بالواسطة والنسب والمصاهرة والمحسوبية ؟

هل سيقوم دولة دولة رئيس بايقاف تعيين الملحقين الجدد لاعادة النظر في اجراءات قبول طلباتهم وامتحاناتهم وتصحيح اوراقهم وتشكيل لجنة خارجية محايده لمقابلتهم واختيارهم، والذين لم يتم اختيارهم لاسباب مزاجية، تيمناُ باللجنة المحايدة التي كانت تختار موظفي رئاسة الوزراء ابان حكومة دولة السيد سمير ارفاعي ؟
هل هنالك تنسيق بشفافية ومصداقية ونزاهة بين وزير الخارجية ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ومجلس الاعيان.

اسئلة كثيرة وكبيرة تحتاج الى اجوبة سريعة وكافية وشافية ونزيهه،و لكن من يجيب على هذه الاسئلة ؟؟
لقد هرم هذ المجتمع رغم ان نسبةالشباب تصل الى 70%، واتخم بالهموم والديون والبطالة لفقدانه الثقة بالحكومة وبمن انتخبهم لتمثيله واصبح في حالة من القطيعة والفشل في التواصل والاتصال على المستويين الرسمي والاجتماعي، والحقيقة لا تكمن المشكلة هنا فقط، بل الخوف ان ينعكس هذا الوضع على الامن الشامل، واتساع "حفرة انهدام " الثقة بين الحكومة والشعب (مهزلة قصة التعريفة الاخيرة واسعار المحروقات) ومحاولة البعض النيل من سمعة الاردن والنيل من هيبة الدولة لا قدر الله.

جلالة الملك حفظه الله يسعى ليل نهار من اجل امن وامان واستقرار هذا البلد الصامد امام كل التحديات والعواصف والمؤامرات وبمحدودية امكاناته. الشعب الاردني متواصل مع قيادته مع قواته المسلحة واجهزتة الامنية. ولكن هنالك ازمة ثقة، فبمقدار ما هنالك التفاف كامل وشامل وتواصل وثقة مطلقة بالقيادة الهاشمية، الا ان هنالك برأي ورأي الكثيرين أزمة ثقة بين الشعب والحكومة وكذلك مجلس النواب وهذا الامر يحتاج الى معالجة شاملة وعاجلة.

هنالك نفر من المسؤولين واصحاب الشأن لو تحرشو بحقوقنا لاغمضنا اعيننا عنهم اكراما لسمعة الوطن ولكنهم اغتصبوا وانتهكوا حقوق ابناء الوطن ولا زالت الساحة لهم ولشلليتهم واقاربهم ومعارفهم واصدقائهم يسرحون ويمرحون، وهذا معنى التواصل بالنسبة لهم، اما التواصل مع قضايا الوطن والشعب فهم في حل من ذلك، المهم التواصل مع انفسهم والتواصل مع كراسيهم ومع مصالحم الخاصة.

حمى الله هذا الوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة المظفرة المتواصلة مع ابناء الوطن وعزز لحمة التواصل بين ابنائه الشرفاء، واتم الله على اردننا الحبيب الامن والامان ورزقه من الثمرات.