"المبغوضة اللي جابتْ بنت" ليست فقط الفتاة المسلمة التي تعاني من التمييز في الثقافة والموروث والتشريعات التي تُزوّجها في سنّ الـ15، فهناك "مبغوضة مسيحية" أيضاً، ويُميّزُ التشريعُ ضدها كمواطنةٍ أردنية، على نحو حرفيّ، وواضح.
ينصُّ قانونُ الأحوال الشخصية لسنة 2010، الساري حالياً في المادة (172) على انه يسقطُ حقّ الحضانة "إذا تجاوزَ المحضونُ سنَّ السابعة من عمرهِ، وكانت الحاضنةُ غير مسلمة". أي مسيحية، فلا يهودَ لدينا، والقانونُ لا يسمحُ بحرية المعتقدات "الأرضيّة" الأخرى.
أما الأمُّ المسلمة، فتمنحها المادة (173) حقَّ الحضانة إلى "اتمامِ المحضون سنَّ الـ15، ولغير الأم إلى إتمام المحضون 10 سنوات". أي أنّ الجدّةَ المسلمة (للأمّ والأب) تحصلُ على حقوقِ الأمومة التي لا تحصلُ عليها الأمُّ المسيحية!
لندع العهدَ الدوليّ، ومعاهدة "سيداو"، ومعهما سائرُ حقوق المرأة والطفولة في العالم المتمدِّن. فعقدنا الأساسي، كمواطناتٍ ومواطنين، هو الدستور الأردنيّ الذي ينصُّ على أنّ "الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العِرْق، أو اللغة، أو الدين".
تالياً، ما مبررُ هذا التمييز بين الأردنيات، والإخلال بالمساواة. فالطفلُ المسلمُ من أمٍّ مسيحية، يغادرُ حضنها ورعايتها، في السابعة، وهو لم يصل سنّ البلوغ، الذي يُوجبُ التكليف الشرعيّ، والقانون نفسه ينصُّ في المادة (203) على الثامنة عشرة سنّاً للرشد. الأخطرُ في هذا القانون أنه ينزعُ عن الأردنيةِ المسيحية حقّاً انسانياً أصيلاً في أمومتها، لأنها احتفظت بديانتها، ولا خيارَ أمامها سوى تغيير دينها، واعتناق الإسلام، لتحتفظ بطفلها وطفلتها.
قانونُ الأحوال الشخصية لدينا بمرجعيّة فقهية حنفيّة، والأمام أبو حنيفة النعمان تُوفي في العام 767م. وهو يرى من منظور عصره، وعلينا أنْ نُكيّفَ المتطلبات والاحتياجات والمقاصد وفق عصرنا. فمنحُ الأم المسيحية الحضانةَ حتى السابعة، يعرضُ أطفالها إلى مخاطر تربوية وعاطفية، هي وطفلها في غنىً عنها، لو أنّ للتشريع بعداً يتقصّدُ مصلحة الأجيال وإرساءَ العدالة.
أنقلُ عن قراءة نقدية للقانون للدكتور نائل جرجس أن محكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية أردنية) قررت في السنوات الماضية "إعطاءَ الحقّ للمسيحيّة بحضانةِ طفلها حتى بلوغه التاسعة، إذا كان ذكراً، والحادية عشرة، إذا كانت أنثى". فما مبرِّرُ الإصرارِ على سنّ السابعة. الذي يعتبره "خرقاً لمبدأ المساواةِ والحريّة الدينية، ولمصلحة الطفل التي تؤخذُ بعين الاعتبار عند إعطاء الحضانة للأم أو الأب، بصرف النظر عن الدين".
الواقع، أنَّ قانونَ الأحوال الشخصية يحتاجُ إلى تعديلات كثيرة، فهو لا يزال يستخدمُ تعبير "المرتدّ" ويتجاوزُ على حقوق المرأة في الأمومة والميراث، ولا يعترفُ بحرية الأردنيّ في الاعتقاد، وتلكَ علةٌ كبرى..