أتذكرون حين قال الملك:"كفى"؟
رؤى عربيات
04-10-2015 02:23 PM
في لقائه قبل أسبوعين عدداً من الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي، أكد جلالة الملك عبد الله الثاني على ضرورة وقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى وللحرم القدسي الشريف، وحذر جلالته، من أن استمرار السلوك الإسرائيلي الإستفزازي تجاه القدس ومقدساتها، سيكون له إنعكاسات خطيرة على المنطقة وأمنها واستقرارها، وسيؤدي إلى تأجيج الصراع الديني الذي لا تحمد عقباه.
وها هو التصعيد الإسرائيلي في القدس الشريف الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلية وقطعان المستوطنين، يقابل بردة فعل فلسطينية أسفرت عن مقتل مستوطنيْن وإصابة اثنين آخرين بجروح في عملية طعن وإطلاق نار نفذها فلسطيني (من سكان البيرة يبلغ من العمر 19 عاماً) في البلدة القديمة في القدس المحتلة، ليستشهد بعدها منفذ العملية بنيران قوة عسكرية تابعة لحرس الحدود الإسرائيلي.
الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) باركت العملية، ودعت جميع الفصائل إلى استنفار قواها والرد على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للقدس الشريف، من جانبه دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يمين نتنياهو إلى اجتماع أمني طارئ يتوقع منه المصادقة على إجراءات قمعية واستفزازية أخرى ستزيد الوضع اشتعالا.
ووفق الرواية الإسرائيلية (الملفقة في أغلب الأحيان)، فإن منفذ العملية (مهند شفيق حلبي) هاجم عائلة كانت في طريقها إلى حائط البراق وطعن عددا من أفرادها، كما استحوذ على مسدس كان بحوزة أحد المستوطنين وأطلق النار عليهم، والسؤال الكبير هنا: متى ستفهم الحكومة الإسرائيلية أن يأسا كالذي دفع شاباً بعمر الورد لأن يقدم على فعل يعرف أنه لن ينجو بعده هو يأس كرسته الممارسات الإقصائية والمنافية لأبسط حقوق الإنسان المعترف بها في الشرائع السماوية والوضعية؟.
سنوات طوال وإسرائيل تقضم الأراضي الفلسطينية وتعمل وفق خطة مدروسة على تهويد القدس وترويع سكانها وإثقال أهلها بالضرائب والغرامات الخرافية ومحاولات تسويق فكرة التقسيم الزماني والمكاني كالذي فرضته على الحرم الإبراهيمي الشريف من قبل، ضاربة بعرض الحائط اتفاق السلام والمناشدات الدولية، ولا تقيم اعتبارا لحساسية القدس بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، فمن اقتحامات يومية بالجملة واعتداءات بالضرب والقنابل الدخانية والمسيلة للدموع والرصاص الحي والمطاطي إلى منع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى واعتقال المرابطين والمرابطات وتغريمهم وإبعادهم عن القدس وإيذاء طلبة ما يعرف بـ (مصاطب العلم)، كل هذا يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تعلم جيدا أنه لن يُقابل بالورود من الشعب الفلسطيني المقموع والرازح تحت نير الاحتلال وآلته الوحشية منذ أكثر سبعة وستين عاماً.
فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى مهما تصدرت الواجهة قضايا أخرى أسهم في بروزها ما سمي بالربيع العربي، والقدس لأصحابها مدينة ليست ككل المدن، وحقهم فيها لا يسقط بالتقادم ولا بفرض الأمر الواقع، وقوة الحق منتصرة بالضرورة على حق القوة مهما ولغت آلة القتل الوحشية في دماء الفلسطينين، ومهما استمر التخاذل الدولي عن نصرة أصحاب قضية هي لأصحاب الضمير من أعدل قضايا البشر في العصر الحديث.
وعودة إلى الرؤية الملكية لحقائق الصراع أستذكر تحذي جلالة الملك عبد الله في خطابه في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، "من المخاوف الملحة ما تتعرض له القدس والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها من تهديد، وأشار جلالته إلى أن "المسجد الأقصى والحرم الشريف مشمولان بالرعاية الهاشمية حسب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، وهي أراض محمية بموجب القانون الدولي كونها أراض محتلة"، كما نوه إلى أن أهمية الحرم القدسي، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، لا تقل لدى المسلمين الذين يشكلون ربع سكان العالم، عن أهمية الكعبة المشرفة.. "، وحذر وبكل وضوح من أن أي اعتداء أو تقسيم لموقع المسجد الأقصى لا ينظر إليه على أنه مجرد خرق لالتزامات إسرائيل، بل هو اعتداء ديني خطير، وعلى المجتمع الدولي في هذا الصدد إرسال رسالة واضحة بأن مثل هذا الاعتداء، أو أية محاولة لمحو الهوية العربية أو الإسلامية أو المسيحية للقدس، أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه".
سنوات طوال والفلسطيني "محروم من العدل الدولي" على حد تعبير جلالة الملك في خطابه سالف الذكر، فقد فقال جلالته: "على مدار خمسة وستين عاما تقريبا، ظل الفلسطينيون مستثنون من الوعد الذي نشأت الأمم المتحدة من أجله. فالجميع ينعم بالحماية التي توفرها الأمم المتحدة تحت مظلة القانون الدولي وحقوق الإنسان... إلا الشعب الفلسطيني... ليس بعد. والجميع ينعم بالكرامة في العيش بحرية وأمن...إلا الشعب الفلسطيني ... ليس بعد. والجميع يحظى بحق تقرير المصير... إلا الشعب الفلسطيني ... ليس بعد، وقد وصل الأمر إلى حد نقول عنده: كفى!".
عندما قال جلالة الملك: "كفى" كان يعي أن لا شيء يسبب قهرا أكبر من أن نقول لشعب بأسره أنكم مستثنون من العدل الدولي، وإن الصيف العربي لن يؤتي ثماره إلا عندما يصل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى نهاية عادلة وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل آمنة في المنطقة بأسرها".
عندما قال الملك :"كفى" قرر حقيقة أن الوقت قد حان لإسرائيل أن تعي جيدا، أن النار ستأكل ثوبها، وأن عليها النظر إلى المستقبل الذي تصل فيه إلى السلام العادل والدائم مع الفلسطينيين، وها هي الشرارات الأولى قد بدأت وما الانتفاضة الشعبية الفلسطينية إلا مرمى حجر.