لماذا أطيح بالقائمة الوطنية من مشروع القانون الجديد؟
د. اسامة تليلان
04-10-2015 01:33 PM
شكل العمل بقانون الانتخابات لعام 2012 الذي تضمن القائمة الوطنية أو الدائرة العامة، والذي أجريت بموجبه انتخابات المجلس السابع عشر، أول تغيير جوهري على فلسفة قانون الانتخاب، منذ صدور أول قانون للانتخابات عام 1928.
فالقوانين السابقة بنيت على أساس الدوائر الفردية أو الجغرافية الضيقة أو الديمغرافية. في حين ان قانون 2012 قد جمع أولا بين النظام السابق ونظام القائمة الوطنية الذي يجعل من المملكة دائرة عامة واحدة وبذلك يقترب من الأنظمة المختلطة التي تتعدد فيها الخيارات، وثانيا يكرس فكرة القائمة العامة في الانتخابات، وفكرة التصويت للبرنامج المعلن للقائمة .وثالثا أعطى الناخب فرصة حقيقية للتصويت للقائمة خارج الإطار المألوف الذي يقوم على سلة من الروابط التقليدية والارثية.
إدخال نظام القائمة العامة في قانون الانتخاب السابق لم يأت من فراغ ، فقد جاء أولا في وقت ما أطلق عليه ذروة الربيع العربي، وثانيا في وقت واجه فيه البرلمان اضعف حالاته وأسوأ حالة من العلاقة ما بين الناخب والنائب. فضلا عن انه جاء نتيجة جهود كثيرة طرحت فيها العديد من الأفكار حول القائمة الوطنية العامة بعد ان عدلت لتصبح عامة بدل أن كانت حزبية كما ورد في مشروع قانون الانتخاب الذي تقدمت به حكومة عون الخصاونة.
رواية الجهة المشرفة على إلغاء القائمة الوطنية في مشروع قانون الانتخاب الجديد لم تكن مقنعة وغير كافية، لأنها كانت اقرب إلى الاجتهاد الانطباعي العام الذي لا يعول عليه، أكثر من كونها صادرة عن دراسات معمقة أثبتت أن العمل بهذا النظام من القوائم غير مجدٍ في هذه المرحلة الأولية من تطبيقها.
منطقيا، بالقطع لم يكن احد يتصور انه بمجرد إدراج نظام القائمة الوطنية في قانون الانتخاب، أو أن نتائج القائمة الوطنية في أول دورة برلمانية ستكون قادرة على تغيير وجه البرلمان ونقله مرة واحد إلى إطار جديد من العمل الكتلوي ، أو أن تتولد كتلة حزبية مستقرة داخل البرلمان مشكلة من مجموع الفائزين على القوائم الوطنية من الأحزاب.
لكن تطبيق نظام القائمة الوطنية - رغم التحفظ على بعض القضايا المرتبط بها مثل عدم ضبطها بمعايير واضحة وموجهه، ونظام الاحتساب، وحداثة التجربة- اظهر العديد من الايجابيات الأولية التي كان يمكن تعظيمها والبناء عليها في الدورات القادمة، ومنها:
أولا : حفزت ودفعت الأحزاب السياسية إلى خوض الانتخابات بقوائم حزبية معلنة، حيث شاركت تسعة أحزاب في تسعة قوائم، واحدة منها كانت لائتلاف أحزاب.
ثانيا: وفرت فرصة للأحزاب السياسية لاختبار نفسها في الفضاء الوطني واكتشاف بعض عوامل ضعفها وقوتها، وبعثت حيوية هائلة في صفوف الأحزاب التي خاضت الانتخابات ، ووفرت ساحة جديدة في غاية الأهمية لأداء أعضائها في الحملات الانتخابية.
وبذات القدر طرحت هذه التجربة أسئلة بالغة الأهمية أمام الأحزاب، مثل، كيف يمكن لها أن تعيد بناء حركتها والياتها، وما هي الأدوات التي لا بدا من حيازتها، خصوصا عندما أظهرت بعض القوائم قوة شعبية نتيجة امتلاكها لوسائل إعلام عبرت من خلالها عن مواقفها واستطاعت أن تصل إلى الناس، قبل الانتخابات وأثنائها.
ثالثا : أثبتت أنها يمكن أن تشكل طريقا مناسبا للأحزاب إلى البرلمان، إذا رغم نظام الاحتساب الذي عمل به، فقد استحوذت القوائم الحزبية التي خاضت الانتخابات على ثلث عدد مقاعد القائمة الوطنية في البرلمان، هذا في ظل عدم مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي، إي أنها كانت ستقارب نصف عدد المقاعد لو شارك هذا الحزب، وهذه نتيجة باهرة وأسرع مما هو متوقع وأثبتت أن الأحزاب لها حضور بنسبة الثلث من أصوات الناخبين، خصوصا أن هذه القوائم حملت أسماء أحزابها وخاضت الانتخابات كقوائم حزبية واضحة ومعلنة ووفق برامج معلنة.
رابعا : عززت من الإحساس بالهوية الوطنية عندما تدفقت أصوات الناخبين من كل المحافظات على بعض القوائم الحزبية وغير الحزبية، وأحدثت حالة صحية يتعارف الناس من خلاله على بعضهم البعض في إطار المواطنة وليس في إطار العلاقات التقليدية التي تقوم على روابط الدم والمصاهرة وغيرها.
خامسا : دفعت بوجوه ونخب جديدة إلى البرلمان لأول مرة، كما استطاعت بعض المكونات الاجتماعية إن تصل إلى البرلمان لأول مرة.
سادسا: حررت إرادة الناخب من ضغط القاعدة الانتخابية الضيق، ومنحته فرصة في الدائرة العامة، أن يختار وفق قناعاته الفكرية والسياسية في إطار من الحراك الوطني العام.
سادسا: حررت إرادة الناخب من صوت الحارة والقرية والعشيرة والمحافظة إلى صوت أوسع بعد أن منح بموجب القانون صوتان واحد للدائرة المحلية والآخر للدائرة الوطنية.
سابعا : سمحت لأعضاء الحزب إن يصوتوا لقائمة حزبهم من مختلف مناطق المملكة، ولم تجزأ أصواتهم على دوائر في المحافظات بما يفتتها.
ثامنا : اظهر أداء نواب القوائم الحزبية وغير الحزبية ميلا للقضايا الوطنية على حساب القضايا المحلية الضيقة،وميلا واضحا نحو تشكيل الكتل البرلمانية، مثل كتلة الوسط الإسلامي، التيار الوطني، الاتحاد الوطني، الجبهة الأردنية الموحدة.
تاسعا : حررت أبناء الدوائر المغلقة من دوائرهم، وبات بإمكانهم الترشح على الدائرة الوطنية وبرزت وجوه جديدة ونخب جديدة طامحة في الانخراط في العلمية الانتخابية.
عاشرا: صعبت من تأثير استخدام المال في نتائج القوائم العامة لاتساع الدائرة وصعوبة التحكم بالعوامل التصويتيه فيها، وفي اقل الأحوال رفعت من الكلف المالية للحصول على الأصوات وقللت من حجمها ونتائجها.
حادي عشر : أثبتت أن القوائم التي تعتمد على العشائرية والمناطقية غير قادرة لوحدها على النجاح. وانه لا بدا وان تمتلك عوامل إضافية كان تكون ممثلة لمختلف شرائح المجتمع الرئيسية، او أن يكون لها سجل في القضايا العامة من خلال شخوصها او من خلال الأحزاب وبذلك باتت تقترب إلى فكرة القوائم البرامجية أو القوائم التي تعتمد على انجازات شخوصها في الدائرة الوطنية العامة.
وبالعودة إلى مشروع القانون الجديد للانتخابات الذي يعتمد القائمة النسبية على مستوى المحافظات، نكون قد رجعنا عن هذه الخطوة المتقدمة في فلسفة قانون الانتخاب، وعن المكاسب التي تحققت في المرحلة الأولية من التجربة.
لقد كان من الأولى، إذا كانت الحكومة حريصة على تطوير الحياة والحزبية والحياة البرلمانية، وإذا كانت منسجمة مع طرح الأوراق النقاشية الملكية في الوصول إلى الحكومات البرلمانية، أن تعمل على استكشاف مزايا تطبيق القائمة الوطنية في المرحلة الأولية ، وان تعمل على تطويرها بدل الإطاحة بها، وهذه مهمة بات سهلة وواضحة الاتجاهات.
وربما كانت أيضا ستبرز ايجابيات أخرى أكثر عمقا للقائمة لو تم تطوير التجربة في المرحلة اللاحقة، لكن يكفي أن نشير إلى أنها أسهمت في وضع العملية البرلمانية والسياسية على جادة طريق الإصلاح.
وان تطوير هذا النظام الانتخابي بما فيه طريقة الاحتساب والاهتمام بوضع معايير واضحة للقوائم كان سيشكل طريقا آمان وسلس نحو التحول إلى البرلمان الكتلوي الذي يمهد الطريق نحو ماسسة المعارضة وفق جدلية تبادل الأدوار بين الأغلبية والأقلية البرلمانية، وصولا للحكومات البرلمانية.