(ايليا نقل) من الفقر إلى قيادة النجاح واستمراريته
04-10-2015 04:49 AM
عمون - د.صلاح العبّادي - يجسد ايليا قسطندي نقل حكايات من النجاح عبر تاريخ طويل من الزمن؛ من الرملة كانت بدايته؛ في العام 1928.
هو الابن السادس من بين ثمانية أبناء في عائلة متواضعة، كان يطمح الى دراسة الهندسة في العام 1948 الذي شهد احتلال فلسطين وانتقال عائلته إلى الأردن؛ وتخلى عن طموحه واتجه للعمل كمحاسب لمساعدة عائلته، وقادته هذه المهنة إلى تأسيس شركة استيراد وتصدير إلى أن ازدهر عمله وشكل مجموعته الاقتصادية العملاقة التي تضم 30 شركة تتوزع في ثمانية بلدان وفيها أكثر من 6000 موظف.
يبرهن نقل للأجيال الدارسة لسيرة حياته على مر عقود من الزمن بأنه صاحب رؤى فكرية، وخبيراً اقتصادياً يحسن قراءة ظروف مجتمعة، كما يجيد الإفادة من تجارب الدول والمجتمعات المتقدمة، وانه مسكون بفكرة تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
كما أن الوقوف على بعض التفاصيل المهمة في حياة نقل يمثل بريق أمل لأجيال من الشباب التي تحتاج إلى الاستفادة من خبرات الآباء والأجداد والبناء على ما بنوا عليه، لشق طريقهم في الحياة، للوصول إلى تحقيق أهدافهم وطموحاتهم.
يعد نقل من الرجال العصاميين الذين بدأوا حياتهم من الصفر، ورغم ما وصل اليه الا انه حافظ على تواضعه وبساطته وحبه اللامحدود للخير والعطاء.
كان نقل منذ صغره شغوفا بالدراسة والثقافة، فدرس الابتدائية في مدرسة سي ام اس، ثم اتم الثانوية بالعامرية في يافا، ثم تقدم لمترك فلسطين فنجح به، واراد ان يتقدم لمترك لندن، لكنه الغي في يافا بسبب الظروف السياسية في تلك المرحلة، فكان عليه الذهاب الى بيروت ليقدمه.
سافرالى بيروت واستضافه اخوه فرح ، وقدم الامتحان في ايلول 1948 ؛ إذ كان الاول في المستوى، ثم عن طريق خاله الذي كان على علاقة مميزة مع الدكتور قسطنطين زريق نائب رئيس الجامعة الأمريكية الذي كان يميل لدعم الطلبة الفلسطينيين.
حصل نقل على أعفاء من تكاليف الدراسة، لكنه بسبب ضيق الحال وصعوبة الوضع الاقتصادي لأسرته لم يكن يمتلك المال الذي يوفر له المستلزمات الرئيسية من سكن وطعام، فذهب الى عمان قاطعاً الحدود سيراً على الاقدام.
أقام في عمّان بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مع 10 أشخاص من عائلته، اتخذوا من غرفة واحدة مأوى لهم.
تمكن نقل بالعمل في شركة توفيق قطان مدة ثلاث سنوات حيث اكتسب خبرة هناك، وبمساعدة توفيق قطان استطاع أن يحصل نقل على رخصة للاستيراد في عام 1952، وبعدها قام نقل باستئجار مستودع لسعيد المفتي في سوق السكر ووضع فيه طاولة ومكتباً وتعاون مع تجار القدس أيام الوحدة بين الضفتين، مقابل نسبة لهم مقدارها عشرة بالمئة، وأخذ عمله يتطور وبدأت علاقاته مع البنوك تتطور، مما ساعده على البحث الدائم والتطوير حتى وصلت بالمجموعة الى ما هي عليه الآن.
في العام 1955 وجد نقل ضالته في شركة المانية حيث استورد ماكنة الورق بمبلغ 1700 دولار واحضرها الى عمان في سوق السكر، واخذت العائلة تعمل عليها، وانتجت الماركة الشهيرة للمناديل الورقية ( فاين)، ثم تحولت الماكنة الى مصنع في العام 1962، ثم افتتح مصنعا في لبنان اوائل السبعينات، وتوالى صعوده في عالم التجارة الى يومنا هذا حيث تم تسمية الشركات باسم ( مجموعة نقل )، لتصدر منتجاتها الى اكثر من 45 دولة حول العالم .
وسع نقل أعماله التجارية لتشمل قطاع السيارات الفاخرة والقرطاسية والانشاءات والتغليف والطباعة والصناعات التحويلية وصناعة الورق والبنوك والتأمين والاغذية وغيرها من القطاعات.
رشح ايليا نقل الحاصل على وسام الحسين للعطاء المميز، وغيره من أوسمة عربية وأجنبية في العام 2008 لنيل جائزة رائد الاعمال بالشرق الاوسط ، كما صنف بمرتبة 128 ضمن اقوى 500 شخصية عربية .
يحرص نقل على الجانب الخيري؛ فلديه الكثير من المؤسسات الخيرية معظمها يرتكز على دعم الشباب وتطويرهم ومساعدتهم في الدراسة وغيرها من الامور , فله يد مشهوده في اقتصاد الاردن والاعمال الخيرية.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة المجموعة غسان المولود عام 1962، والحاصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الصناعية والماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بوردو في الولايات المتحدة « إن والده يسعى دوماً إلى تحقيق النجاح في العمل بعيداً عن الالتفات إلى الربح المادي، في وقت يشير إلى أن « الضربات المتتالية لابد أن تؤدي إلى نتيجة».
ولفت غسان الذي يصغر عن ابيه بالسن بـ34 عاماً إلى أن والده كان على مر السنوات الماضية حريصاً على اقامة الاستثمارات الاقتصادية رغم الأحداث السياسية التي عصفت بالمنطقة، في وقت أشار إلى تهرب مستثمرين من تحمل مسؤولياتهم الاقتصادية تخوفاً من تلك الأحداث أو التحديات.
ويستشهد غسان بمقولة أخرى لوالده مفادها «العقود المتكافئة تدوم وغير المتكافئة لا تدوم».
وأشار إلى أن والده كان يبدي سعادته باختلاف الآراء في النقاش حول قضايا العمل المختلفة، معتبراً أن العقل هو من يحكم بين هذه الاختلافات في وجهات النظر.
وعبر عن فخر والده بأن جميع مدراء شركات المجموعة في الأردن وخارجه هم من الكفاءات الأردنية ، في وقت وفرت فيه المجموعة ما يزيد عن ستة آلاف فرصة عمل.
ويعتبر أن النجاح يكمن في خدمة المجتمع وتقديم المسؤولية الاجتماعية كأولوية.
ولفت إلى أن والده يرجع النجاحات التي حققها خلال عقود من الزمن إلى «رضا الله ورضا الوالدين» ، وهو ما دفعه قبل سنوات إلى تلخيص تجاربه التي مر بها في حياته بكتاب «وعد تحقق» الذي اخذ مسماه من الوعد الذي قطعه «ايليا» على نفسه لأهله حول النجاح في الحياة.
وكشف الابن نقل قصة أخرى وراء «وعد تحقق» حدثت في العام 1955 عندما خطب أبيه والدته وهي من عائلة ثرية على نقيضه تماما، قبل أن يسافر إلى أوروبا، وهناك وصلته رسالة من خطيبته مفادها بأن اقاربها يقولون لها بأن خطيبها الفقير لا يمكنه أن يوفر لها العيشة الكريمة التي تعيشها في بيت أبيها» ، الأمر الذي دفعه للرد عليها في مكتوب كتب فيه « سأبني لي أسماً يفتخر به أبنائي من بعدي». في وقت اشار الأبن غسان إلى ما يقوله ابنه ايليا « سأحافظ على اسم ايليا نقل».
وبين الأبن نقل أنه وعلى الرغم من حبه لأن يكون كوالده بالكفاح والنجاح، إلا أنه يختلف عنه بطريقة العمل، وذلك لاختلاف الرؤى والأفكار بين الاجيال، اذ أن الجيل الأحدث يعتمد على التطور التكنولوجي بشكل أكبر، ولديه آمال أكبر لتطوير هذه الشركات والمؤسسات.
وقال: «ينبغي الاستماع للجيل الشاب في الشركات العائلية والوصول معهم إلى خطوط عريضة ومشتركة لما فيه مصلحة هذه المؤسسات والقطاعات التجارية والاستثمارية»، ودعا في ذات الوقت الشباب والأجيال الصاعدة في الشركات العائلية الاستفادة من الحكمة والخبرة التي أكتسبها آباؤهم وأسلافهم بالعمل الشاق والصبر والمثابرة».
واستذكر بعض الأحداث من العام 1985 عندما التحق بالقوات المسلحة الأردنية لخدمة العلم، وهو يحمل شهادة الماجستير في ادارة الأعمال آن ذاك، وكيف كان والده يحرص على انضباطه في الخدمة، ويرفض «استغلال علاقاته ونفوذه الاقتصادي للحيلولة دون استكماله للخدمة» .
ويشير الأبن نقل إلى كلمات نزيه سحيمات الذي كان قائدا للمعسكر الذي التحق فيه أثناء الخدمة، عندما قال لوالده أيليا « اشكرك بأنك لم تحرجني بعلاقاتك بخصوص معاملة غسان بشكل يختلف عن الآخرين» .
كما استذكر الأبن «صباح» يوم زفافه عندما ايقظه والده عند السادسة والنصف صباحا من أجل أن يستكمل بعض الحسابات المالية الخاصة بالمجموعة قبل أن يأخذ اجازة زواجه.
وبين أن أفراد عائلة نقل لا يجوز لهم الالتحاق بأي من الوظائف في المجموعة، قبيل أن يعملوا في شركات لدى آخرين من خارج العائلة لمدة عامين، وهو الأمر الذي يمكنهم من اكتساب الخبرة الحقيقية بعيداً عن الحسابات العائلية.
وأوضح أن أبناء العائلة حرصوا في العام 2008 على تأسيس مؤسسة إيليا نقل كمؤسسة خيرية تركز على مبادرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، التي تعود بالنفع على الأفراد والمجتمعات المحلية في المملكة الأردنية الهاشمية.
وذكر أن هذه المؤسسة يشرف عليها مجلس أمناء مكون من تسعة أعضاء من ذوي الخبرة، في كل من القطاع الخاص والقطاع المدني، يقومون بتوجيه أعمال المؤسسة ونشاطاتها التقنية بأسلوب استراتيجي يتسم بالشفافية.
وأوضح أن هذه المؤسسة تأسست بوحي من رؤية وتطلعات مؤسس المجموعة إيليا نقل الذي طالما آمن بأهمية العمل الخيري، وعمل على ترسيخه في جميع الأعمال المنبثقة عن مجموعته، إضافة لتقديره العميق للتعليم، وما يمكن أن ينتج عنه من ازدهار وتقدم للبلد.
فهو يعي طموحات الأفراد الذين ينشأون وأمامهم عدد قليل من الخيارات والفرص المتاحة، مع أنهم يمتلكون الحوافز والتطلعات لتحسين حياتهم. وانطلاقاً من هذه الرؤى النبيلة، تتبنى المؤسسة عملية التعليم وتضعها في أعلى سلم أولوياتها و ذلك لتمكين الشباب من الحصول على المهارات والقدرات وتزويدهم بالمعرفة للمساهمة بفاعلية أكبر في تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعهم.
وأكد أن هذه المؤسسة لم تكن حلماً راود إيليا نقل فحسب، بل أولاده وبناته كذلك الذين يشاطرونه شغفه، لعمل الخير والتزامه به. ورأى أن تأسيس المؤسسة جاء لضمان مأسسة وتعزيز الجهود في العمل الخيري؛ لتعظيم أثرها على الأفراد والمجتمعات الأقل حظاً في جميع أنحاء المملكة.
وقال «إن نهج المجموعة يستند على عقد شراكات متينة ما بين شركات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمنتفعين من هذه المشاريع لخلق علاقات منفعة متبادلة بين الأطراف المعنية، ويصب تركيزها في هذا المجال على خلق مشاريع تنموية مستدامة يمكنها إحداث تغيير تدريجي تكون نتائجه مضمونة على المدى البعيد في المجتمع».
ويضيف « يسعى برنامج المسؤولية المجتمعية لمجموعة نقل الى تطوير ودعم المجتمع المحلي وبصمتنا كانت البداية في لواء الكورة، حيث قامت المجموعة بداية بعمل دراسة لتقييم احتياجات اللواء من ثم بدأت بعقد عدة شراكات كان أولها مع تكية أم علي لتوفير الطعام للعائلات والمدارس و تنفيذ مشاريع مستدامة لمساعدة أهالي اللواء».
وذكر أن المنح الدراسية التي تقدمها مؤسسة نقل استفاد منها نحو 370 مستفيدا، اضافة إلى وجود نحو 40 شاباً يجلسون على مقاعد الدراسة الجامعية على نفقة المؤسسة.
ورأى أن الشركات العائلية هي عبارة عن مجموعة من العلاقات العائلية والاجتماعية قبل أن تكون علاقات تجارية، ولهذا فإنه من المهم أن تنظم هذه العلاقات بصورة جيدة وصحيحة لكي تمهد الطريق لتماسكها و تطورها ونموها.
وأضاف: «تساهم مأسسة الشركات العائلية ووضع ميثاق للشركات العائلية، إلى ضمان انتقال هذه الشركات للأجيال المتعاقبة من تلك العائلات بصورة سلسة بعد وفاة المؤسسين الأوائل لها».
ايليا نقل احدى الشخصيات الاقتصادية البارزة التي ساهمت في تحقيق ما تصبو إليه، رغم الصعوبات والفقر؛ فهو قصة نجاح كرجل أعمال بدأ من الفقر حتى وصل إلى سدة النجاح.. فهو تاريخ يستلهم منه الخبرات والتجارب المتراكمة في عالم الأعمال؛ لتكون حافزاً للشباب الصاعد.
الراي.