في شرقنا العربي، نعيش في الوهم، بل أوهام على أكثر من صعيد، حتى كيان العدو الغاصب «إسرائيل» ليس أقل منا عيشا في الأوهام، لكأن فيروس الوهم أصابهم مثلنا تماما، فاستمرأوا الكذب، والعيش فيه، بعد أن كذبوه!
في الشق السياسي من الموضوع مثلا، نحن نتوهم أننا أمة عربية واحدة، الإسلاميون يعترضون على هذا، فيقولون أننا أمة إسلامية، ونحن أمة لا أمتين، الحقيقة أن هذا محض وهم، فلسنا أمة فعلا، لا عربية ولا إسلامية، الحدود التي رسمها «العبقريان» سايكس وبيكو على الخارطة، نفذت إلى وجدان أبناء هذه «الأمة» وسكنت جيناتهم، ولم يعد الاعتداد بالحدود رسميا فقط، بل هو شعبي بامتياز، فكل «كمشة» بشر جلسوا على كومة تراب، ورفعوا علما، ونشيدا وطنيا وجيشا وجهاز أمن، وقالوا: نحن أمة من دون الناس!
أما الوهم الأكثر إيلاما فهو ادعاء الرومانسيين المتدينين أننا أمة «إسلامية» والحقيقة أن هذا الوهم أكثر تضليلا بكثير من إدعاء وجود أمة عربية، فما نشترك به كـ «أمة إسلامية» موسم حج سنوي، أصبح فخا لموت فجائي بشع، وأذان يصدح لجمع الناس للصلاة، ضمن فضول أوقاتهم، وأعياد دينية مختلف عليها(!) ولا شيء سوى ذلك، أما ما يفرقنا كأمة إسلامية فهو أكثر بكثير: مذاهب واجتهادات، وحركات وأحزاب، وشيع، وأنظمة سياسية مرتبطة بهذه المنظومة أو تلك، «كنتم» خير أمة أخرجت للناس!
إسرائيل هي كذلك، كتلة من الوهم، وإن كانوا «أحرص الناس على حياة» يدعون أنهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق العربي، وهم كيان عنصري نازي، بأسهم بينهم شديد، ولو «تفرغوا» قليلا لأنفسهم لمزقوا بعضهم شر ممزق، رشحوا للجلوس على رأس جهاز شرطتهم أخيرا شخصا أقل ما يقال فيه أنه حرامي، سكن مستوطنة غير «قانونية» حتى من وجهة نظر قانونهم العنصري، وأمضى عمره في جهاز هو الأسوأ أخلاقيا من بين أجهزة الأمن في العالم: الشاباك، هذا الشخص، مكلف، ويا للسخرية، بتنفيذ «القانون» في دولة لم تكتب دستورها بعد، ولم تضع حدودا لها، ولم تحسم حتى الآن الجواب على سؤال من هو اليهودي، مع أنها تدعي أنها «دولة يهودية!» وتطالب عدوها اللدود «الفلسطينيين» بالاعتراف بها بهذه الصفة!
أما اجتماعيا، فحدث ولا حرج عن الوهم الكبير الي نعيشه، خاصة بعد أن وفرت لنا شبكات التواصل الاجتماعي منصة للتعبير السريع والفوري عن أوهامنا، وأكاذيبنا، في الوعظ والتطهر والتقوى، والرومانسية، والحب أيضا، حتى لتحسب أن أبناء هذا الحرف العربي، قبيلة من الملائكة الأطهار، الشعراء المرهفين، الماشين على رؤوس أصابعهم، مخافة أن يزعجوا سكان التراب، على طريقة: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد!
الحقيقة الوحيدة خارج دائرة الوهم المحكمة هذه، هي ما نقوله لمرايانا كل صباح، حينما ننظر إليها، ونعرف أي نوع من البشر نحن، إن واتتنا الشجاعة وتجرأنا طبعا ونظرنا إلى عيوننا!
الدستور