الطاقة التي تطور المجتمع وتصححه
د. سامي الرشيد
01-10-2015 11:59 AM
لقد انكشفت هشاشة الوضع العربي بعد تورطه في حرب استنزاف مدمرة، تؤدي الى كوارث انسانية وتدمر البنى التحتية لأوطان بكاملها.
ان مشكلتنا الأعمق التي تسبب الحروب الاهلية التي تعاني منها دول عربية عدة، تتلخص في سياسة الدولة التي تنتج - بطبيعتها التكوينية – الأزمات.
الدولة عندنا في العالم العربي تمتلك شرعية سياسية لأسباب عائلية ووطنية وتاريخية، ولكنها تعاني من مشكلات تؤثر في توازنها وتفتح الباب لحروب اهلية ولبروز الدول الفاشلة.
بدأت الدول العربية منذ بداية القرن الماضي، الدخول في عملية تراجع تدريجي لرأسمالها السياسي وزخمها الاولي، وذلك بسبب عجزها عن التعامل السياسي والبنائي للتنمية السياسية، ودمج فئات المجتمع الجديدة (الشباب والطبقة الوسطى والفئات الشعبية المهمشة).
حيث لا صوت للعامة وللتكوينات الاجتماعية الجديدة، ولا صوت لفقراء الناس ومهمشيهم في معظم بلدان العالم العربي.
تبقى السيطرة لأصحاب النفوذ السياسي والمالي في أعلى الهرم.
تقوم الدولة بتوظيف عدد كبير من السكان في القطاعات الحكومية، بما فيها الأمنية والعسكرية والمدنية، بما يفوق كل منطق سياسي واقتصادي, وهذا تضخيم للدولة ووظائفها وتحويلها الى بيروقراطية، وتبعد الشباب عن العمل في شتى القطاعات الخاصة، وخاصة في مجال الزراعة مما يدعو لتصحر الارض وتراجع الانتاج الزراعي.
بهذا تمتص الدولة عافية الوطن وتقوم باقتناء كل عامل وموظف، وتصبح دولة تمتلك شعبا ولا تمثل شعبا، وتمعن في توزيع الاموال والمناصب والامتيازات بطريقة عشوائية لمن لا يستحقونها.
كما تقوم الدولة بتخصيص بعض منشآتها التي تملكها والتي كلفتها الكثير، وبيعها لبعض المحاسيب والمقربين، مما يخلق حالة جديدة من التهميش والعزل في المجتمع وقواعده.
هذا بدوره يمهد للحروب الاهلية والاستنزاف الاهلي الذي تشهده الدول العربية، ويصعب تحقيق توازن بين التنمية والحريات، وبين الحقوق والامن، حيث تنشأ دولة الولاء على حساب دولة الكفاءة، وتعمم حالة الجهل على حساب حالة المعرفة، وهذا يعمق هشاشة مؤسسات الدولة وضعف انتاجها.
لهذا لا بد ان تقف الدولة على مسافة واحدة من كل مواطن بغض النظر عن جذوره الاجتماعية، وفكره السياسي وطائفته ولونه وغير ذلك.
يجب تحويل الدول العربية الى طاقة، وتطور المجتمع وتساعده في بناء تسويات داخلية وطنية هدفها الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية والمساواة.
ان انحدار صراع القوى الاقليمية نحو مستنقع الطائفية والمذهبية، لا يستفيد منه في الوقت الحاضر الا اسرائيل التي ستحصد نتاج هذا الصراع.
تحاول الدول العظمى ايهام الشعوب بأن حقوقها لا تصان الا بانتمائهم لطائفتهم او مذهبهم، بينما خاتمة هذه المسيرة الانقسامية هي تفتيت الاوطان والشعوب وجعلها ساحة حروب لقوى دولية واقليمية، تتصارع وتتنافس على كيفية التحكم بهذه الارض العربية وثرواتها، وهناك حتما اكثرية عربية لا تؤيد هذا الطرح الجاهلي التفتيتي,ولا تريد الوصول الى نتائجه الوخيمة، لكنها اكثرية صامتة وغير فاعلة.
ان مسؤولية تصحيح الاوضاع القائمة الآن في المنطقة العربية، هي مسؤولية شاملة، يعنى بها الحاكم والمحكوم معا في كل البلدان العربية, ومن المهم تصحيح البنى الدستورية والسياسية، ليجد كل مواطن حقه في الانتماء الوطني ولكي يعلو سقفه الى ما هو ارحب واوسع من سقف الانتماءات الفئوية الضيقة هي ايضا مسؤولية قوى المجتمع المدني والمؤسسات الفكرية والسياسية، والمنتديات الثقافية وعلماء الدين ووسائل الاعلام العربية المتنوعة.
لكن كثيرا من الاقتصاديين يرون ان فترات الركود الا قتصادي في البلدان العربية تشكل جزءا حتميا من دورةالاعمال، وخاصة الركود الذي يأتي بالضرورة بعد اي فترة رواج.
مثالا على ذلك ففي عام 1931بعد ان ولت سنوات الرواج في الولايات المتحدة في العشرينيات اتت من بعدها أزمة الكساد الأعظم.
كتب الاقتصاديون انه من البلاهة غير العادية ان تكون هذه الطفرات الرائعة من الطاقة الانتاجية، مقدمة للافتقار والكساد والخسائرالتجارية، وانخفاض الانتاج، وارتفاع معدلات البطالة التي ترتبت عام 1929.
لكنهم حتى يتفادوا ذلك بدأوا يدركون ان قنوات الائتمان المسدودة من الممكن ان تؤدي الى احداث الانكماش الاقتصادي.
بدأوا بتطبيق بعض الامور لأجل السياسات المالية التوسعية، حيث تقوم الحكومة بالتعويض عن التقصير في مواجهة ضعف الاستثمار الخاص، ثم رفع هدف التضخم ومنح البنوك المركزية مساحة اكبر من حرية الاستجابة للصدمات المالية، وتم فرض قيود محكمة على الاستدانة، واستخدام الروافع المالية وخاصة في سوق الاسكان، من اجل منع تشكل فقاعة اسعار تتغذى على الائتمان، حيث تم الاستفادة من ذلك، والقضاء على الركودلاوتحريك الاقتصاد.
تعلمنا دروس التاريخ ان المنطقة العربية هي نهر جارف لا بحيرة راكدة، وهذا ليس خياراً لابناء هذه الامة بل هو قدرها المحكوم، بما هي عليه من موقع استراتيجي مهم، وبما فيه من ثروات طبيعية ومصادر للطاقة، وبما فيه من اماكن مقدسة لكل الرسالات السماوية.
ان الصراعات والتحديات وحركة التغيير، هي قدر الارض العربية على مدار التاريخ، لكن ما يتوقف على مشيئة شعوبها وارادتهم هو كيفية التعامل مع هذه التحديات، وهو ايضا نوعية التغيير الذي يحدث على كياناتها وفي مجتمعاتها ويدفعنا لنتحمل مزيدا من المسؤولية والجهد والعمل.
dr.sami.alrashid@gmail.com