مع أن هذا الكلام «الغريب العجيب» يعود, حسب صحيفة «الصباح» العراقية إلى حزيران (يونيو) الماضي فإنه لا بد من التوقف عنده وبخاصة لأنه منسوب, أيْ نسبته هذه الصحيفة, إلى عادل مراد الذي يعتبر أحد قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني المحسوب سياسيَّاً هو وحزبه على هذا النظام القائم في سوريا في عهد الأب والابن وعلى النظام الإيراني الآن في عهد الثورة الخمينية وسابقاً في عهد شاه إيران محمد رضا بهلوي.
عرفْتُ «كاك» عادل مراد في سبعينات القرن الماضي عندما كان رئيساً لاتحاد الطلبة الأكراد في فترة شهر العسل بين نظام حزب البعث والحركة الوطنية الكردستانية بزعامة الملا مصطفى البارزاني وحقيقة أنني كنت أتوسَّم فيه خيراً وكنت اعتقد أنه لن يلتحلق بـ «مام» جلال الطالباني حتى وإن انقلبت المعادلات وتصدعت «الهدنة» التي كانت تبدو متأرجحة ومؤقتة بين الحركة الوطنية الكردستانية بقيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني وبين الحكومة المركزية في بغداد.
لم أكن أعرف أن عادل مراد شيعياً (فيْليَّاً) ففي تلك الفترة لم تكن هذه الآفة المذهبية والطائفية قد ألقت بظلالها على هذه المنطقة ولم تكن هي المحدد الأول والأهم والأخطر للصراعات والتحالفات في بلاد الرافدين وهنا فإنني استطيع الجزم, وأنا مرتاح الضمير, بأنَّ هذا «الوباء» لم يُعرف لا في العراق ولا في سوريا ولا في اليمن ولا في بعض دول الخليج العربي إلَّا بعد «انتصار» الثورة الإيرانية في شباط (فبراير) عام 1979.
وحقيقة أنني لم أهتم بـ «الفيلية» إلَّا متأخراً لكنني حتى بعد هذا الاهتمام لم استطع الجزم ما إذا كان «الفيليون» أكراداً أم إيرانيين أم عرباً بالأساس نظراً لأن إيران (رسميَّاً) لا تعتبرهم شيعة على المذهب الجعفري الأثني عشري ولأنها لا تعتبرهم لا من أكرادها ولا من أكراد العراق وكل هذا مع أن الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان ولا يزال هو الممثل الشرعي لأكراد العراق وهو الذي تتجسد فيه الحركة الوطنية الكردستانية يعتبرهم أكراداً وجزءاً لا يتجزأ من الأكراد العراقيين وكذلك فإنه من الناحية المذهبية يعتبرهم شيعة أصلاء على المذهب الجعفري الأثني عشري.
في كل الأحوال فإن ما فاجأني هو أن صحيفة «الصباح» العراقية قد نسبت إلى عادل مراد كلاماً, تنقصه المصداقية لأنه لا يستند إلى أي مصادر لا موثوقة ولا غير موثوقة, جاء فيه, في مجال الحديث عن «داعش» واحتلالها لعدد من المدن والمناطق العراقية: «هذا المخطط أُعدَّ له في اجتماعٍ جرى في عمان, العاصمة الأردنية, وحضره مندوب عن زعيم جماعة «داعش» أبو بكر البغدادي وممثلون عن عزة الدوري والبعثيين وكتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي وجيش المجاهدين والطريقة النقشبندية وتم رفض مشاركة جناح حزب البعث الذي يقوده يونس الأحمد.. وهناك وُضِعَ مخطط هجوم «داعش» على الموصل.. ثم تقدمت هذه الجماعة الإرهابية إلى بقية المناطق العراقية وخلقت حالة الفوضى التي نشهدها حالياً .
لم يقل عادل مراد من أين جاء بهذه الرواية «الجيسبوندية» – البوليسة والتي كيف لم تعرفها الاستخبارات الروسية والـ «سي.آي. أيه» الأميركية ومخابرات كل دول الكرة الأرضية.. ويعرفها هو ربما معتمداً على تسريبات المخابرات الإيرانية والمخابرات السورية.. كيف عرفت يا «كاك» عادل بكل هذه المعلومات الخطيرة وتغاضيت عن أن الموصل قد أُسقطت بقرار من نوري المالكي وتتواطئٍ من كبار جنرالات جيشه.. من الذي زودك بهذه المعلومات يا «كاك» عادل وهل أنَّ «مام» جلال يعرف بها قبل أن تكشف النقاب عنها ؟
يا عادل.. لو أن روايتك البوليسية هذه فيها ولو الحد الأدنى من الصحة فإن المؤكد أن الأميركيين والروس والفرنسيين والأتراك والصينيين قد عرفوا بها قبلك.. وقبل «مام» جلال وإن المؤكد أن الأردن, المملكة الأردنية الهاشمية, لم يكن أول المشتبكين مع هذه الـ «داعش» ولم يكن قد خسر بطلاً من أبطال سلاحه الجوي..
ثم وإذا لم تكن روايتك هذه من «فبركات» خيال مريض مستأجرٍ من قبل جهة أو جهات هي المستفيدة من «داعش» ومن هذه الرواية فإنه لن تكن هناك هذه الشبهات الموثقة المدعومة بما يقوله العديد من قادة العراق وفي مقدمتهم السيد مقتدى الصدر ورئيس الوزراء حيدر العبادي, التي تطارد الآن نوري المالكي الذي من غير المستبعد أنه هو من سرَّب إليك وإلى «مام» جلال هذه الرواية البوليسية الرديئة.
الرأي