كان القمر كوكباً «آرستقراطيا»، يعيش بين قصائد الشعراء، ويتغذّى على كلمات الحب في رسائل المحبين ، يفترش قواميس الحالمين، ويفرّ كعصفور من حناجر الغناء.. كان القمر برتقالة الليل التي تتدلى من السماء ، وساعة جدّي التي يخرجها من جيبه ليلاً ليعرف مواقيت النوم، كان كوكباً منعّماً يبيت على شرفات الأميرات ويصحو على هديل الحمام البري أمام النوافذ ..كان مثل العشاق يحترف الحضور متى يشاء ويحترف الغياب متى يشاء...فهو يتقن خلطة «الشوق» تماماً كما يتقن لعبة الجفاء..
لكنه لم يعد ذلك القرط السماوي الجميل.. كامرأة فاتنة على صورة مجلة ، فقد كشفت مساماته «تلسكوبات» الفضاء، وأبطلت سحره الأقمار الصناعية ، لم يعد ذلك الذهبي المستدير كأسواره في يد يافعة أو خلخالاً في رجل مهرة...لقد أسقطت «مناظيرنا» غموضه فصار مطلوباً فلكياً ، يعيش تحت الإقامة الجبرية لا تغفل العيون عنه لحظة أو تنساه..صار يشبه حارتنا ، أزقة وحجارة وأحافير و أقنية سال دمع الكون فيها قبل الف الف عام...لقد جردوه من نعيم الحب والخيال ، و أدخلوه الخدمة الإجبارية فصار قمرا للحصادين تارة..وتارة للنازفين فقراً...واخرى للنازفين وطناً...
ليلة الاثنين.. أطلقت ناسا على قمر أيلول الأخير «قمر الدم «..ما أقسى هذه التسمية ...كيف للقمر أن يصبح قمراً للدم أو قمراً دموياً بعد ان كان خبّاز الياسمين وعرّاف الغائبين ..قمر الدم ؟...وهل يصبح العصفور مقاتلة حربية ، والقرنفلة قنبلة ، والغيمة طائرة استطلاع، والليل ميلشيا طائفية ..كيف للقمر أن يصبح قمراً للدم ولم يلمسه كفّ قاتل أو يسحل على طرقاته جسد قتيل ...يا لقسوة التسمية...
تبرر ناسا ظلمها للقمر قائلة:.. عندما رأينا لون القمر يميل الى الحمرة أسميناه «قمر الدم».. لكنها لم تقل إن هذا اللون الذي قد يكون «خجلاً» أو «حنقاً» أو «غلاً» أو «تفجيراً» سببه الاقتراب كثيراً من الأرض.. يا فاكهة السماء الليلية، أيها الطبيعي الوحيد في زمن الاصطناع...لدينا فائض من الدم، ان شئت نصنع لك مجرّة من الأوجاع...أيها الواضح لنا بكل تقاسيمك.. تعال واكشف عن وجهنا القناع..
الرأي