facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أيّ منعطف تاريخي يستمرّ ستين عاماً؟!


26-05-2008 03:00 AM

صدمني أن أرى الكمّ الهائل من المقالات والتقارير والبرامج التلفزيونية التي تستذكرُ نكبة فلسطين في عامها الستين. وتساءلتُ في نفسي: هل تختلف الحالُ الآن عما كانت عليه في الذكرى التاسعة والخمسين؟ وهل ستختلف أيضاً في الذكرى الواحدة والستين؟ ونحنُ لا نزال نراوح أماكننا بين ندبٍ ورثاءٍ وخطاباتٍ وشعارات.

ستون عاماً ولم نتمكّن من اجتياز المسافة التي اعتدنا أن نسميها "المنعطف التاريخي". في حين أن أمماً أخرى اجتازت مسافات أطول في ظل ظروف أكثر قسوة. فما الذي حدث؟ وما الذي يجب فعله حتى لا تظل الذكرى تمرّ شبحاً يثير دموعنا ونحيبنا ثم نستسلم بعدها لنومٍ غير هانىء.

أقول إن قضية فلسطين هي في الأساس قضية حقوق وواجبات. وهنالك من الكفاءات والعقول ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية والعربية ما يكفي للمرافعة عن الحقوق الفلسطينية في المحافل القانونية الدولية. فالفكرة الأساسية وراء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كانت حملَ القضية القانونية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين لتلك المحافل؛ إذ إن وعد بلفور الذي تحدث عن إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، تحدّث أيضاً عن عدم المساس بالحقوق الأساسية للسكان الأصليين. ولكن هذا الشق الثاني قد تم إهماله.

لقد تجسّدت مأساة فلسطين أكثر في الانتهاك الصارخ لكرامة الإنسان التي منحه إيّاها ربّ العالمين. لذا لا بدّ من ترسيخ مفاهيم الأمن الإنسانيّ والمواطنة والإرادة الجمعيّة ضمن خطة مدروسة تأخذ بالحسبان القدرة الاحتماليّة للموارد البشريّة والاقتصاديّة في المنطقة. ولا أدري إلى متى ستظل القدرة النفسية لمواطني الشرق تحتمل عبثية ما يحصل.

ويجب ألا ننسى أن في صميم الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ قضايا أساسيّة، تسْتدعي الحكمة أن تعالج من منطلق الأمن الإنسانيّ؛ منْها: قضيّة اللاجئين وحقّ العودة، وجدار الفصل العنصريّ. فاللاجئون والنّازحون أُلحِقَتْ بهم أضرار ماديّة ومعنويّة ونفسيّة. ولا يزال الأمل في عودتهم إلى ديارهم وأراضيهم يعتملُ بقوّة في صدورهم. والتغييرات في التكوين الديموغرافيّ للأراضي الفلسطينيّة المحتلة مستمرّةٌ بسبب جدار الفصْل العنصريّ الذي لا يزال تنفيذه قائماً. وعلى الرّغم من قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي سنة 2004، الذي يطالب إسرائيل بإنهاء هذا الوضع غير القانونيّ، لا تزال الآثار المترتبة على بنائه حقيقةً واقعةً تضرّ الحياة اليوميّة لسكان الأراضي المحتلة.

وإن كنا نؤمن بقضية فلسطين، ليس على مستوى الشعارات فقط، فعلينا تصويب الفكر لتهيئة العمل من أجل بناء المجتمع الفلسطيني الحديث. كما علينا التفكير جدياً بمعاناة الإنسان على أرض الواقع، دون تحيّز عقائدي أو انغلاق فكري، وتعظيم الصالح العام تحت اسم فلسطين والقدس. ويجب إبراز الوجه الإنسانيّ للشعب الفلسطينيّ من أجل استعادة الاحترام العالميّ له ولرسالته النضاليّة؛ تلك الرسالة التي تكاد تغيب عن الأذهان في خضم كثير مما يحدث من فوضى في العالم.

ولا يغيب عني أن أدعو أيضاً إلى البدء بإقامة سيرورة (عملية) للحفاظ على ذاكرة فلسطين والقدس وسائر المدن الفلسطينية. فأينكم يا معشر المحامين ورجال القانون والممولين من القيام بواجبكم تجاه الإنسان الفلسطيني في المهجر وتزويده بالتفاصيل عن أصوله وجذوره وحقائق قضيته.

لقد عشنا عقوداً من الحديث عن الحلول الظرفية والتوازن العسكري، ونسينا أن القضية هي قضية إنسان. إنسان له حقّ في الحياة الكريمة والسوية. لهذا نحتاج إلى تطوير مفهوم عالميّ لبنْيةِ التضامن الإنسانيّ يستندُ إلى أسسٍ أخلاقيّة وقانونيّة. ودون ذلك لا يمكن تثبيت ميثاق حقوق الإنسان وتحقيق السلام والأمن الإنسانيّ. وهنا أجدد الدعوة إلى قيام نظام إنسانيّ عالميّ جديد، كنتُ دعوْتُ إليه منذ عقود، وتبنّته الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة بالإجماع في كلّ دورةٍ من دوراتها منذ أواخر الثمانينيّات وحتى الآن.

لقد كان لقضيّة فلسطين أثر عميق في توحيد الشعوب والمجتمعات العربيّة. فأجزاء الوطن لا تربطها الحدود الضيّقة المرسومة على الخريطة، بل تربطها العاطفة الوطنيّة المشتركة الراسخة في قلوب الأفراد والشّعوب. ولا تحْيا قضية بدون شعْب. وستبقى الكلمة العليا للشعوب التي تملك الروح الوثّابة إلى التحرّر، والعزيمة التي لا تلين، والأمل الذي لا يذْوي أو يتهاوى. ولن أفقد الأمل في الشعوب العربيّة الغنيّة مادياً وروحياً.

فإذا ما أردنا أن يأتي الوقت الذي يكون فيه لمواقفنا دور حاسم في ترسيخ معالم المستقبل المزدهر، علينا إيلاء الأمن الإنسانيّ لهذه الشعوب الدور الجوهريّ في وضع السياسات. وهذا بدوره سوف يخلق توازناً مطلوباً بين المصلحة والعاطفة في عمليات اتّخاذ القرارات؛ فلا تذوب المثُلُ العليا في سبيل الغايات الماديّة.

إن العمل الجمعي في سبيل قضية فلسطين كان يجب أن يركّز على حقائق التغيير السلبي على الأرض. وأستذكر في هذا السياق أن الجدّ المؤسس الملك عبدالله الأول، في حديثه عن الرصاصة الأولى للثورة العربية الكبرى التي أُطلقت في العاشر من أيار عام 1916، دعا إلى استنهاض البحث عن كرامة الإنسان الفلسطيني والعربي وحقّه، كما تحدّث بصراحة ووضوح عن أهمية العمل الاتحادي العربي.

فلْنرفع أصواتنا بكلّ عزيمة في سبيل الإنسان الفلسطيني والعربيّ، والعمل – ولو بأضعف الإيمان – على سدّ جزء من العجز في ميزان كرامته ووقاره. ولعلّ تعزيز مفهوم المواطنة والسلم الأهلي والقواسم العالمية يكون عوناً لنا في إطلاق ذلك العمل. فالمواطنة تعني إعادة بناءِ الذات من أعمق الأعماق؛ بل إعادة هندسة الكينونة العربيّة من أجل أن نكون جزءاً من المواطنة العالميّة. فننطلق من خُصوصيتنا وهويتنا نحو الإنسانيّة المشتركة الواحدة. وهذا لن يتحقق من دون تغيير في الذهنيّات أو الأنفُس؛ من دون عقل تحليلي ناقد؛ من دون قاعدة معلوماتية ومعرفية إقليمية شاملة، لتدوين الاختراقات التي ارتُكبت من قِبل الأطراف كافة، على غرار أرشيف المجتمع المفتوح في بودابست، الذي يعدد الفظائع بحقّ الإنسانية في الحرب العالمية الثانية، والقمع والاحتلال والسلطوية في الحقبة التي عُرفت بـ "الحرب الباردة". إذ لا بدّ من تعزيز معرفة كلّ مواطن بحقوقه وواجباته حتى يكون له سهم في هذا المشروع الكبير.

والاعتناء بالإنسان وتوعيته يجب أن يكون في صميم الحديث في إطار الوطن والأمّة، وإزاء العالم الخارجي. وتقتضي المسؤوليّات الإنسانيّة المشتركة في الخطاب والحوار النهوض بعملية بناء تشاركي معرفي قانوني يمكّن هذا الإنسان، وتلك الأغلبية المغلوب عليها بالصمت، من أن تمارس حقوقها وواجباتها أمام هذا العالم المستقطب بأشكال صناعة الكراهية.

نحن في حاجة إلى معايير واضحة تشمل كافة الفرقاء، عربياً ودولياً؛ معايير تُلزم الجميع بالمواطنة الدولية وإنهاء التباين بين قوانين خاصة للأغنياء وأصحاب النفوذ وأخرى للمهمّشين والفقراء إلى الله تعالى.

لقد حطّ عام 1948 على منطقتنا بقوارعه ونوازله التي لا نزال نعيش آثارها القاسية والمريرة حتى يومنا هذا. وفي ذلك العام اغتيل الكونت برنادوت، الوسيط الدوليّ في النزاع العربيّ الإسرائيليّ؛ كما اغتيل الزعيم الهنديّ الأكبر المهاتما غاندي، وقُتِلَ الإمام يحيى حميد الدين، إمامُ اليمَن، في مجزرةٍ أشعلت الحرب الأهليّة في البلاد. فإلى أين المصير إذا لم نخرج – كعرب – من دائرة التأثّر والفردانية إلى دائرة التأثير والحكمة والإرادة الجمعية.

ستون عاماً تدفعني إلى القول – بل إلى الصراخ: يا محبي السلام، مسلمين ومسيحيين ويهود، لا يُبنى المستقبل بالاستذكار والندب والرثاء، إنما بالعمل الجادّ معاً لإعادة الحق إلى نصابه، وتذكير الأجيال المقبلة بحقائق التاريخ ووقائع الحياة، وتغليب القيمة الأسمى في هذا الكون على سواها من القيم، ألا وهي: الإنسان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :