آلافٌ من الشاباتِ والشباب الأردنيّين ينشطون الآن في صفحات وتجمّعات علْمانية على "الفيسبوك". انضمَّ إلى بعضها كتّاب وناشطون مدنيّون. وباتت هناك فضاءاتٌ للنقاش والتنظير والبحث عن مقارباتٍ لنموذجٍ علّماني أردنيّ، في دولة تُوصفُ بأنها "غير دينية" قياساً بنماذج في المنطقة، كما أنها ليست "مدنيّة" على النحو الذي يُرضي المطالبين بالإصلاح الدستوريّ والتشريعي، والتخفُّف من أثقال نهجها المحافظ والحَذِر تجاه الديمقراطية، والعلمانية، وحقوق المواطنة عموماً.
هذا الصوتُ ليس جديداً في الأردن. عرفت البلاد خطاباً علمانياً واضحاً منذ خمسينات القرن الماضي، وكان مؤدلجاً شيوعياً وقومياً، فخسرَ كثيراً من فاعليته، لصالح التحالف المعروف بين النظام والإسلاميين آنذاك، وعلى الرغم من ذلك احتفظت نخبٌ ثقافية وأكاديمية مستقلّة بصوتٍ خافتٍ، فيما كانت الدولةُ تتجنَّبُ الاصطدامَ المباشرَ، وتُقدِّمُ علاقتها مع "الإخوان المسلمين" الأكثر نفوذاً وتنظيماً على سائر القوى الأخرى، ثمّ أن التجربة كانت أشدّ قسوةً على اليسار، الذي أمضى رموزه ومناضلوه أعواماً طويلة في السجون. وتلك مرحلة، لا تزالُ تقبعُ في الإنكار.
لا إطارَ تنظيمياً يجمعُ الليبراليين والعلمانيين في الأردن، فالهياكلُ التنظيمية اليسارية، مثل الإسلامية منهمكة في لعبة الإقليم وصراعاته، وصفقاته. الآن أتاحت الثورةُ التقنيةُ وتطبيقاتها مساحةً ، بايقاعٍ مختلف. فمنصّات التواصل الاجتماعي شكّلت آفاقاً للمعارضة السياسية، وللحراكات الشعبية التي انبثق منها الربيعُ العربيُّ، من تونس، إلى مصر، حيث كانت ثورة الفيسبوك في 25 يناير.
كما أنّ صعود التطرّف الدينيّ في المنطقة، ساهمَ بقوّة في عُلوَّ النبرةِ العلمانية في الشارع العربيّ، ولا سيما في أوساط الشباب. لقد رفعت الناشطاتُ والناشطون العراقيون قبل أشهر شعاراً علمانيّاً، شديدَ السطوع، في بلدٍ يئن تحت أهوال الإرهاب، وهيمنة رجال الدين على الإدارة، قالوا: "علمانية. لا سنيّة.. ولا شيعيّة".
لدينا في الأردن تجمّعاتٌ علمانية على الشبكة. مستقلون من الشباب، بقليلٍ من التنظير، يطالبونَ بدولةٍ مدنية. أستطيعُ إحصاءها بالعشرات. وأشيرُ الى ثلاثة منها على الفيسبوك: الجبهة العلمانية الأردنية، الحركة العلمانية الأردنية، من أجل أردن مدنيّ علمانيّ.
يطالبُ الناشطون هنا، ومعظهم غير متحزِّب بتعديل المادة الثانية من الدستور التي تنصّ على أن "الاسلام دين الدولة" يقترحون دمجاً معدلاً مع المادة (14) التي تشيرُ الى "حماية الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد". يُرِيدُون "دولة تكفلُ حرية المعتقد، مهما كانت جذوره الفكرية أو الدينية" بحياد تام في التشريعات المترتبة على هذا النهج.
تطالبُ الناشطاتُ والناشطون بالمواطنة والقانون معيارين وحيدين في تعاطي الدولة مع الأردنيين، وبتغيير مناهج التعليم، نحو حداثة في المحتوى والأساليب والأهداف. وهنا يكثرُ الجدلُ حول تركيز وزارة التربية والتعليم على "مقاصد الشريعة الإسلامية" أكثرَ من أيّ جانبٍ آخر في تنشئة الأجيال.
نجدُ أيضاً نقاشاً في إصلاح قوانين الانتخاب والأحزاب والمطبوعات، وضرورة الزواج المدنيّ، وثمة من يحلمُ بإلغاء المحاكم الشرعية، ومجالس الطوائف. هنا كثيرٌ من الحماسة، تقابلها دعوةٌ إلى تكييف نهج علمانيّ، يراعي ظروف الأردن، ولا يستفزُّ طابعَ التديُّن الراسخ في المجتمع، وعلى هذه الصفحات تجدُ معارضةً للمطالبات باستنساخ العلمانية الغربية، يجاورها نقدٌ للنصّ الدينيّ، ودعواتٌ لإصلاح الفقه. وهناك من يحثُّ على تشكيل حزبٍ علمانيّ.
وهكذا، فإنَّ الايجابياتُ كثيرة، مِثْلَ المآخذ في هذا المناخ. على أننا بصدد تيار علمانيّ حقيقيّ في الأردن، وإن كانَ حالماًبعض الشيئ، في واقعٍ تطغى عليه الكوابيس..